الأربعاء، 16 أغسطس 2017

الموت لن يحدث أبداً، لأننا دوما نموت في الماضي ...!


الموت لن يحدث أبداً، لأننا دوما نموت في الماضي ...!


هل ثمة فرق بين تصورنا للمستقبل والماضي، من جهة حضور الأنا في كل منهما؟ هل عندما نتخيل المستقبل حتى البعيد، نشعر بأننا موجودون به، وهل نشعر بذات الشيء عندما نتصور الماضي البعيد؟

عند التأمل التلقائي، نجد أننا حاضرون في المستقبل عند تصوره، لكن لا نجد ذلك عند تصور الماضي، ويبدو هذا طبيعياً، إذ حقا نحن لا نأبه عند تصور الماضي البعيد أن لا نكون به، لأننا لم ننوجد بعد، لكن يصعب علينا تصور عدم وجودنا في المستقبل، إذ يؤكد ذلك على طبيعتنا الفانية، التي تخالف غريزة الحياة القابعة فينا، فتصور المستقبل من دوننا هو إقرار بأننا كائنات فانية، ويراوغ التصورُ الشعورَ، وتكون "الأنا" حاضرة بقوة، فنغفل بتلقائية اللحظة عن حقيقة أننا لن نعيش أبدا، بل سوف نتلاشى في المستقبل من هذا الوجود.

الكجيطو الديكارتي، الذي يؤكد على أن كوننا نفكر هو برهان على أننا موجودون، يتفق مع هذا الفكرة، إذ يؤكد دور الشعور في تأكيد حضور الأنا، ويتفق ذلك وجوديا مع غريزة الحياة التي تنحو إلى الإصرار على وجودنا في هذا الحياة، وجودا متعينا حقيقيا، لا وجودا مجردا، والكجيطو هو تأكيد وجودي لا يُفهم فقط في الحاضر، بل الأحرى في المستقبل، إذ "أكون" تدل على صيرورة الوجود فيما سيأتي مستقبلا...

إن الموت لا يحدث إلا بالمستقبل، لذا لا نعرف حقا متى نموت، يأتي فجأة، ويقبض على أرواحنا، منذ الميلاد، ونحن نعلم أن اعمارنا سوف تنقضي يوما ما، لكن لا نقدر أن نتنبأ، فقدرنا محجوب بالمستقبل، بل نحرص كل الحرص على إطالة أعمارنا بقدر المستطاع، وإن كنّا ندرك أن ذلك لن يشكل فرقا في المشهد الأخير قبل أن يطوينا الردى، إذ هو مشهد واحد يتكرر للأبد في كل حياة! وفي هذا السياق، يحضرني مقولة ابيقور العميقة التي تقول: "لا تقلق من الموت، فإن جاء لن تكون عندئذ موجودا". في الواقع، إن تأملنا الأمر بعمق، نجد أن الموت لن يحدث أبدا، لأنه يأتي دوما في المستقبل، ومن ثم نحن حقا لا نموت أبدا، إذ نحن لا نموت حقا إلا في الماضي!

وهي مفارقة أن الموت في طي المستقبل، ولكن وجودنا ذاته، هو قيد الموت!  ومن هنا تتعارض "الأنا" مع الموت، إذ أنهما لا يلتقيان إلا في بؤرة القلق من الفناء، والموت من هذا المنظور، لا يحدث بالنسبة لنا إلا في الماضي، وذلك من حيث أنه لا يحضر إلا في المستقبل!

يتضح ذلك، في مفارقة نلحظها في حياتنا، عند تحليل وعينا بالزمن (كما فعل أدموند هوسرل)، نجد أن الزمان لا وجود له حقا الا في المستقبل، لكن من حيث أنه لا يحضر أبداً; الماضي يكون قد مضى بمجرد أن نشعر به، والحاضر ان شرعنا بالشعور به يصبح عندئذ ماضيا، فلا نعيه إلا كذلك، وفي ذات اللحظة، نكون عندئذ قد دخلنا المستقبل الذي بدوره عند حضوره لن يكون مستقبلا، بل ماضي قد مضى! لذلك المستقبل الحقيقي هو الذي لا يأتي أبدا، هو أقرب ما يكون إلى الانتظار منه إلى الحضور، ترقب المجهول الذي لا يزال رهن "العدم"!

رأى مارتن هيدجر ان الوجود الإنساني هو وجود هناك (هذا معنى الدايزن حرفيا)، اي أنه مشروع كي يكون، وليس كائنا أو كان بالمطلق، ليس وجودا مكتملا، لأنه بمجرد أن يكتمل يكون قد مات، لكن الموت مرهون بتحقيق امكانياتنا في المستقبل الذي لا يأتي أبدا، من هنا يرى بأن وجودنا هو "كينونة -صوب- الموت"، وأن الموت هو تحقيق امكانياتنا القصوى.

إننا نعترف بالموت من حيث أننا ننكره دوما، لأننا أولا: لا نعرف متى يحدث، و ثانيا: لأن حضور الموت المطلق هو تعطيل لرغبة الحياة وإرادتها، فمن منا يمكن أن ينجز، وشعور الموت مهيمن عليه، بل غياب حضور الموت هو الذي يشعل شعلة الحياة فينا، ويدفعنا إلى العمل والبناء.  لعل هذا يجلو سبب تعجبنا عندما نرى طاعنا بالسن مقبلا على الحياة بكل ملذاتها، وهو يعرف –زمانيا- بان موته قد دنى.

هنا الموت تماما مثل الوجود (الكينونة) لا يحضر حضورا تاما، ولا يغيب غيابا تاما، بل هو وجود "بين وبين"، بقدر ما ينكشف فإنه يختفي، وبقدر ما يظهر، فإنه يتوارى. وهذا التنازع بين الحضور والغياب في الموت هو الطاقة التي تبعث فينا الحياة!

لننظر إلى الفعل الحضاري، لنرَ كيف يحدث ذلك، إن بناء الحضارات، لا يفهم وحسب من منظور عيش الإنسان ومباشرة احتياجاته المادية، وإنما يفهم كذلك من منظور فنائه وشعوره الروحي. الحضارة (أو بالمصطلح الخلدوني العمران) لا يكون إلا لأن الانسان يموت، لذا يسعى الإنسان أن يترك أثرا من حياته بعد أن يفنى، أثرا يجعله مخلّدا، وهذا ما يشكل "جوهر" الحضارة; الإنسان يشيد الحضارات، لأنه يصبو إلى الخلود، ولأنه كذلك يفنى، بل إن فناءه هو الدافع الأكبر وراء تشييده للحضارات، ولولا أنه يموت، لما أنتج حضارة، لأنها عبارة عن "شاهد" لا على خلود البشرية وحسب، بل أيضا على فناء الإنسان، يلامس القرآن هذه الحقيقة عندما يؤكد على شاهد آثار الأمم التي اصبح عاقبتها الزوال: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )، ولا عجب ان سجل لنا التاريخ على أن اول حضارة (وهي السومرية) هي أول حضارة عرفت التدوين، فمهد الحضارة هو تدوينها كشاهد على فنائها!

التدوين هي شهادة على فناء الانسان، اننا نكتب كي يقرأ من يأتوا بعدنا لأننا نعي اننا نموت!...  ولا عجب ان تكون ثيمة اول ملحمة بشرية، قد دُونت، وهي ملحمة جلجامش، تتعاطى مع فكرة الخلود والفناء... هنا الكتابة "موت صغير" أيضا!

هناك شاهد تاريخي آخر، يكمن في الفارق بين "الزقورات" التي وجدت في بلاد ما بين النهرين، وبين الأهرامات الفرعونية، رغم تشابهما في الشكل الهندسي، إذ كلاهما مبنيان على صورة مثلث هرمي، لكن يختلفان في "فكرة" العمران- أي في التصور الذي دفع إلى بنائهما ، أول ما يستوقفنا أن الأهرامات ليست مجرد معابد، كما هو الحال في الزقورات، بل هي مقابر شُيدت كي توفر أسباب الحياة للميت في الحياة الآخرة، وهنا تتفوق الأهرامات على الزقورات وذلك من خلال دلالة رمزيتها التي تشير إلى علاقة الموت بالخلود، خلود ما بعد الموت في الحياة الآخرة، وتشهد على علاقة ذلك بجوهر الحضارة الذي تحدثت عنه آنفا، وهو أن الموت صنو الحياة وينبوعه، فرغم أن الزقورات معابد إلا أن الأهرامات حملت مضامين دينية أكبر منها، لأنها أساسا بنيت كي تكون منازلا للفراعنة ، بعد أن يبعثوا إلى الحياة مرة أخرى، ولذلك حرصوا على تحنيط الجثث وحفظها كمومياءات، ودفن مقتنيات الميت، سيما النفيس منها، معه في القبر، وكما هو معلوم في تاريخ الأديان، أول من آمن بفكرة الحياة بعد الموت -كما سُجل لنا في كتاب الموتى المصري- هم الفراعنة، ومن هنا جاءت فكرة الأهرامات العظيمة البناء، هي مقابر شيدت كي توفر الحياة بعد الموت.

بمعنى آخر هي امتداد للحياة لا نهاية له، رمز على العلاقة الوطيدة بين الحياة والموت، تؤكد على اتحادهما في رباط واحد، لا على تعارضهما، ومن حيث الغاية. الهرم –إذن- شاهد على المستقبل، لا الماضي، فمن حيث أنه بناء حضاري هو أثر على استمرار للحياة إلى اقصى مدى ممكن، إذ ركيزة اهتمامه هو هذا المستقبل الذي آمن به المصريون القدماء في الحياة بعد الموت، وكان هذا ما شجع على بناء هذه المقابر الضخمة، رغم الثمن الباهض الذي دفعه آلاف الفلاحين من ارواحهم كي يشيدونها!

الشائع هو النظر إلى الحضارة من منظور ما يبقى، وليس من منظور ما يفنى، أي أن ننظر إلى الحياة من منظور الموت، وليس الموت من منظور الحياة، في المنظور الأول، الفعل الحضاري لا يبدو "نزاعا" مع الموت، بقدر ما هو تأكيد له بصفته امتدادا للحياة، شاهدا لها، تماما كنصب تذكاري لتخليد ذكر أناس ماتوا أو لحظة تاريخية مضت، فهذا "الفناء" هو الذي يمثل جوهر البقاء، أي أن ما يجعل النصب "نصبا" هو انقضاء شكل النصب سواء كان لأناس أو للحظات تاريخية.  

وهذا يقودنا إلى فكرة "النصب التذكاري" الذي تناوله مارتن هيدجر، بينما كان يتحدث عن ماهية الفن، وقد صفه بأنه الموت الذي يطل علينا (نحن الذي نعيش ما هو مستقبل لهذا النصب) من الماضي السحيق. إن العمران الحضاري هو أشبه ما يكون بنصب التذكار، فرغم أنه يطل علينا من الماضي السحيق إلا أنه يستشرف المستقبل، تماما مثل الموت الذي لا يحدث إلا في الماضي، كي يكون شاهداً على المستقبل. العمران الحضاري عبارة عن نصب يخبرنا ان الموت لا يمكن ان يحدث قط، لأنه يحدث دوما في المستقبل حيث نكون أصلا غير موجودين، وهي ذات حكمة ابيقور فيلسوف اللذة، الموت يأتي بعد ألا نكون، وإذن فهو لن يحدث أبداً!

---

سليمان السلطان
17 اغسطس 2017


الأربعاء، 28 يونيو 2017

فلسفة الضحك لدى المجتمع السعودي












فلسفة الضحك
لدى
المجتمع السعودي



بقلم سليمان السلطان



تمهيد:
في هذا المبحث، سنقوم بعرض بعض الآراء الفلسفية في شأن الضحك، كمدخل إلى تحليل مفهوم الضحك لدى المجتمع السعودي على ضوء هذه الآراء، وغايتنا من ذلك ليس فقط فهم جانب اجتماعي مهمّ (وهو الضحك) على أساس فلسفي، ولكن التدليل أيضاً على أن الفلسفة قريبة من حياتنا اليومية، ويمكن أن تفيدنا في فهم أنفسنا، والمجتمع الذي نعيش فيه.

لا شك أن الفيلسوف فرد من المجتمع، فلابد أن ينشغل بالشأن الاجتماعي، وإن كانت أدوات بحثه في كثير من الأحيان عصية على الفهم من السواد الأعظم في المجتمع، ولكن لكل حقل أدواته، ومصطلحاته، ومنهجيته، وبالتالي، علينا أن لا نستاء من الفلسفة لأنها تتبنى أدوات عويصة في كثير من الأحيان، إن أنها أخذتْ على عاتقها أيضاً مهمات شاقة، من ضمنها محاولة الغوص في حقائق الأمور، وعدم الاكتفاء بظواهر الأشياء التي قد تكون خداعةً.

ولكن، هل للضحك فلسفة بادئ ذي بدء؟...

إن السائد عن الفلسفة هو أنها "عاجية" الاهتمام، لا تحاكي إلا قضايا جوهرية متعالية عن صغائر الأمور، فلا تتعاطى إلا مع جللّ الأمور التي استعصى حلها، ولم يرَ لها من سبيل إلا الغوص والتعمق فيها تأملاً وتفكراً، في قضايا مثل مصير الإنسان والتاريخ، ومعنى الحياة، وحقيقة المعرفة... وقد قام الفلاسفة بهذه المهمة الشاقة والكئيبة في ذات الوقت، رغم ذلك لم تفارق الفلسفة - بغض النظر عن صعوبة ما تعاطت معه - "الإنسان"، واهتمام عدد غفير من الفلاسفة بموضوع الضحك والمضحك دليل على ذلك، كما سوف نلحظ في هذا المبحث!!!

والضحك في المقام الأول شأن إنساني محضّ، يلامس أعمق خفايا الإنسان، حتى لقد قال بعض الفلاسفة القدماء "الإنسان حيوان ضاحك"، أسوة بالجملة المشهور التي تقول "الإنسان حيوان ناطق"، وقصور الضحك على الإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى لابد أن يثير فضول الفلاسفة، إذ أن شأنها - أولاً وأخيراً - هو "الطبيعة الإنسانية" سواء تناولتها من حيث أنها فرد أو مجتمع أو حتى "معرفة"...!

والغرابة كل الغرابة لا في أن الفلسفة (إن أحسن معرفتها) اهتمت بالضحك، بل في أن الخطاب الوعظي والأخلاقي المتزمت نأى بنفسه عنه، بل لقد عده من شؤون الاستهتار والفسق الذي لا يليق بالإنسان القويم، وهذا ما دفع بالجاحظ أن ينافح عن الضحك، ولا شك أنه كان في هذا يتجاوب مع الآراء التي نظرت إلى الضحك نظرة سلبية  من داخل الثقافة الإسلامية، يقول في كتابه "البخلاء": "ولو كان الضحك قبيحاً من الضاحك، وقبيحاً من المضحك، لما قيل للزهرة والخبرة والحلي والقصر المبني: كأنه يضحك ضحكاً"، وفضلاً على هذه التدليل المشتق من طرائق التعبير في اللغة العربية، يستشهد الجاحظ في نفس الموضع بالقرآن ذاته للدلالة على عظم شأن الضحك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا)[1] ، ثم يعقب ويقول: " فوضع الضحك بحذاء الحياة، ووضع البكاء بحذاء الموت، وإنه لا يضيف الله إلى نفسه القبيح، ولا يمكنُ على خلقه بالنقص، وكيف لا يكون موقعه من سرور النفس عظيماً ومن مصلحة الطباع كبيراً، وهو شيء في أصل الطباع وفي أساس التركيب، لأن الضحك أول خير يظهر من الصبي، وبه تطيب نفسه وعليه ينبت شحمه، ويكثر دمه الذي هو علة سروره ومادة قوته"[2].

مع ذلك، "الضحك" ليس بالأمر السهل كما قد يبدو لأول وهلة، فقد حيّر الفلاسفة على مرّ التاريخ، بل لعلي أجرؤ على القول أنه يكاد لا يقل صعوبة عن القضايا الكبرى التي تعاطت معها الفلسفة منذ القدم، ورغم اهتمام الفلاسفة به إلا أن ما قدموه في شأنه قد لا يبدو كافياً، وها هو الكاتب الروماني المشهور "كُينتليان" Quintilian الذي عاش في القرن الأول الميلادي يقول: بأن سر الضحك ظل عصياً على الكشف، رغم المحاولات الكثيرة التي بذلت.

ويكاد يكون هذا صحيحاً حتى وقتنا الحاضر، فها نحن نسمع تقريباً ذات الأمر على لسان باحث مختص بموضوع الضحك هو روبرت بروفين Robert Provine، إذ يقول:" ينظر معظم الناس إلى الضحك على أنه استجابة بسيطة لشيء كوميدي، أو أنه ترويح للمزاج cathartic   mood-lifter،  غير أني بعد بحث استمر طوال عشر سنوات بهذا الموضوع الذي قلما دُرس خلصتُ إلى نتيجة مفادها أن الضحك عبارة عن حديث اجتماعي في الأساس، دوره أن يربط الناس بعضهم ببعض، هو لغة خفية كلنا يجيد التكلم بها، وليس الضحك ردة فعل جماعية مصطنعة، بل هو سلوك غريزي مبرمج بجيناتنا"[3]...! فلا نجد "بروفين" رغم ما بذله من جهد ووقت في دراسة "الضحك" على أساس تجريبي وميداني قد أضاف لنا الكثير على ما سبق أن قاله الفلاسفة في مضمار تأملاتهم وتفكيرهم!

ورغم أن الفلسفة لم تعد تتناول الضحك في الوقت الحاضر، فقد تعهدت بذلك البحوث والدراسات التي يتم انجازها في شأن السينما والمسرح وغيرهما من الفنون التمثيلية إلا أن الأسس الفلسفية الأولى لا تزال تمدها بزخم معرفي!

ما الضحك؟
ما المقصود بالضحك في المبحث الفلسفي؟ هل الضحك هو - كما يعرفه "بروفين" - " عملية فسيولوجية دقيقة المعالم تنشأ من أنماط صوتيّة سماتيّة، محدودة الأنواع، لا تتأتى فسيولوجيا إلا للكائنات التي تمشي على قدمين وتتحكم بتنفسها "[4]...!

الجواب طبعا هو بالنفي، فهذا التعريف لم يتطرق إلى الضحك إلا على أنه فعل فسيولوجي ، أو على أنه جلجلة صوتية، ويكفي لرد هذا التعريف أن نعرف بأن الابتسامة التي قد لا يرافقها صوت مسموع تدخل  ضمن الضحك، إذ أن العبرة هنا هو في الإحساس، لا في درجة الصوت في الضحك... كما أن هدف الفلاسفة لم يكن رصد "الضحك" فسيولوجياً وجسمانياً، بل كان اهتمامهم بالأحرى منصباً على ماهية الضحك ومعناه الإنساني وعلى دواعي الضحك - أي الشروط التي ينبغي توفرها في شيء ما لكي يصبح مضحكاً، ولقد حاول بعض الفلاسفة التعرف على "العنصر الثابت" الذي يشتمل عليه المضحك، ويجعلنا من ثم نضحك، بينما حاول بعضهم أن يفسروا وظيفة الضحك وعلاقته بالمضحك ذاته.

لكن المشكل في هذا المسعى الفلسفي أن هذه الآراء التي أرادت أن تفسر لنا الضحك هي أضيق حالاً من أن تلم الماماً شاملاً بشأن إنساني بحجم الضحك وتنوعه وتشابكه مع مشاعر مختلفة، فلم تنجح نظرية واحدة في أن تحوي المضحك، وأن ترده بالتالي إلى "عنصر واحد"، فكل نظرية استطاعت أن تنتقد النظريات الأخرى المخالفة لها على هذا الأساس، (أي عدم شمولية النظرية لكافة صنوف المضحك) حتى لقد رأى بعض الباحثين المتأخرين بأن كل نظرية تحمل جزءاً من حقيقة الضحك.

لذلك، لم تسرْ الرؤى التي قدمها الفلاسفة في اتجاه واحد غير أن بعض الباحثين في فلسفة الضحك قننوا لها في نظريات محددة. سوف أتناول هنا أشهر هذه النظريات وفقاً لأشهر التقسيمات التي نالت إجماعا من الأغلبية، مع استعراض رأي فيلسوفين في كل نظرية استعراضاً موّجزاً. ولعل من القمين بنا أن نشير إلى أن المقصد من هذا التقسيمات هو تأطير آراء الفلاسفة عن الضحك، ولكن أكثرهم لم يعربوا عن آرائهم بهذا التقسيم...!

أشكال وسياقات الضحك
ما يُضحك قد يكون مادة مسموعة كالنكت والنوادر، أو قد يكون مادة مرئية كعثرة قدم أو تقطيب جبين أو عبسة وجه، بل قد يضحكنا طعام لا يستساغ الطعم ("بايخ") تذوقناه... ومن هنا نلحظ بأن "الضحك" مرتبط ارتباطا وثيقاً بـ"الحسي"، لذا عدّه الكثيرون فرعاً من "الاستطيقا"، لأن موضوعه بدرجة أولى هو الحسي، فضلاً على أن له جانب متعلق بالموهبة والصنعة التي يجيدها الفكاهيون عادة...!

وتتعدد صور المضحك حتى لا تكاد تحصى، بعض هذه الصور متعلق بالسياق، كأن نضحك من ظرف معين وُجِدَ فيه ما يثير الضحك، وبعضها يضحكنا بذاته، كأن نضحك من فعل يخلو من الكياسة والذوق العام، كالشراهة في الأكل التي لا تراعي آداب الطعام، وقد نضحك من كلمة ملفوظة كما هو الحال في النكت أو عثرة لسان وغير ذلك. 

لنذكر بعضاً من أشكال المضحك والضحك سواء ما كانت دواعيه الفكاهة أو غيرها، لكي تتضح لنا الفكرة.

الضحك من الفكاهي
قد نضحك مما يخرج عن المألوف والمعتاد، كأن نضحك ممن يرتدي لباساً غريباً، لم نعتده سواء بصورة عامة أو خاصة، فرؤية رجل في ملابس نوم في مأدبة هو أمر يدعو إلى الضحك (كان سلفادور دالي الرسام السريالي الشهير يحضر بعض المآدب لابساً "بجامة" نومه)، وهذا ما يفعله المهرجون إذ يحرصون على أن يلبسوا ملابس غريبة، زاهية الألوان...!

وقد نضحك من شعوب أو أمم شاع عنها صفة معينة! يشيع بين الانجليزيين التندر على الايرلنديين والاسكتلنديين، كما يتندر الصينيون من أهل شنغهاي من بعض سكان الضواحي الأخرى، ونجد هذا الأمر شائعاً لدى شعوب وأمم أخرى، وقد يقوم الطرف الآخر بردة فعل، فيخترع نكتا مضادة كما يفعل الأسكتلنديون والإيرلنديون مع الإنجليز!

وقد نضحك ممن تنقصهم المروءة وطيب الشمائل، كأن نضحك من البخيل والبطين (شخصية أشعب مثال نموذجي على الخصلتين معاً!). سأل فقير بخيلاً بعض المال، وهو يحاول أن يستعطفه: " تصور بأني لم أذق الخبز منذ عدة أيام"، فقال: "لا عليك أؤكد لك بأن طعمه لم يتغير"...!  وأم بخيلة طلبت من ابنها أن يبتاع خبزا، واحدة لها وواحدة له وأخرى لأبيه، وبمجرد أن خرج الابن، مات الأب، فما كان من الأم إلا أن هرعت إلى الشرفة هاتفةً لابنها أن يبتاع فقط خبزتين بدلاً من ثلاث لأن الأب قد مات...!

كما قد يكون المخمورون والمحششون وما شابه موضوعاً مفضلاً للضحك ، لأنهم يخالفون الأخلاق العامة، لذا نجدهم محطاً للضحك بكثرة في المجتمعات التي تحرمها، بينما هم ليسوا كذلك في المجتمعات التي تبيحها أو تتساهل بها، يذكر عن رجل "محشش"، أنه ارتكب جريمة تستحق الإعدام عقاباً لها، وعندما هُمَّ به لتنفيذ حكم الإعدام، طلب منه أن يقول آخر ما لديه ، فقال: "لن أعود إليها أبداً"!

وانتحال الشخصيات الأخرى، وتقليدها فيه نوع من الفكاهة المضحكة، لذا يحرص الكوميديون على تقليد من يتفكهون بهم، بقدر المستطاع، فمجرد تقليدهم يجعل من الأمر مضحكاً...!

وقد نضحك من كلام مبهم أو هذي أو هراء لا معنى له، سأل رجل آخر، هل تعلم ما (شبرم) فقال: "لا"، قال: "ولا أنا"!  كما قد نضحك من التلاعب بالألفاظ، سأل رجل آخر: هل تعرف بيتهاوفن (بيت هاوفن)؟ فال الآخر: "إذ كنت لا أعرفه هو، فكيف تتوقع مني أن أعرف بيته"!!!

بل قد تجري بعض المضحكات مجرى الأمثال والحكم ،مثل:
"حذار من المرأة التي تتحدث عن فضيلتها، والرجل الذي يتحدث عن استقامته!"
"علاقة المرأة بالصابون وثيقة جداً لأنه مثلها "رغاي" !!"
"بعض النساء كالموت إذا عرفتهن فلن تعرف بعدهن أحداً !!"

بل قد نضحك من بعض الحوادث المؤسفة ، كأن تزل قدم أحدهم من على الدرج أو أن يرتطم أحدهم بالزجاج في حين أراد أن يلج مكاناً مداخله من زجاج، على أن لا يبلغ ذلك مبلغاً تراجيدياً، فهنا تتدخل مشاعر أخرى كالشفقة أو الأسى، فتطغى على مشاعر الضحك التي قد تنتابنا!
وقد نضحك ممن يفتقر إلى مهارة ما، كعازف كمان سيء العزف أو من غناء رجل أجش الصوت.
وانكسار المطرد قد يكون مضحكاً، لأنه مفهوم متعلق أيضاً بالمألوف بصورة من الصور، وانكساره يشكل نوعاً من المفاجأة، وأجد طرفة الخمسة يهود المشهورين مثالا جيدا على هذا النوع من المضحك، فضلاً عن أنها متعلقة بمجال بحثنا، أقصد مجال الفكر:

اليهودي الأول (موسى) قال: "الشريعة هي كل شيء".
اليهودي الثاني (يسوع) قال: "الحب هو كل شيء".
اليهودي الثالث (ماركس) قال: "المال هو كل شيء".
اليهودي الرابع (فرويد) قال: "الجنس هو كل شيء".
اليهودي الخامس (آينشتاين) قال: "كل شيء هو نسبي".

كلهم من اليهود، ولكن الأربعة الأول دعوا إلى فكرة مطلقة، بينما الخامس (وهنا ينكسر المطرد) قال بالنسبية، وإن كانت في إطار الحركة والأبعاد الفيزيقية! ولكنها تغاضت عن هذا لكي تحقق مأربها في كسر الاطراد، ومن ثم تحقق المفاجئة المضحكة.

وقد نضحك من هجاء مقذع أو رد لاذع على إهانة أو مسبة ما، مثل الملك الذي رأى شبهاً مدهشاً بينه وبين أحد رعاياه، فقال له: "هل كانت أمك تعمل في القصر الملكي"، قال: "لا، بل كان أبي!"... وقد سئل أحد الأدباء المشهورين في مأدبة ارستقراطية من قبل أحد الحضور: " لماذا لم تصبح مثل أمك الخياطة؟" فقال: "أ لم تكن أمك مهذبة؟...  فلماذا لم تصبح مثلها"؟!!

وقد نضحك من أخطاء أو هفوات يرتكبها أناس اشتهر عنهم النبوغ والعبقرية، لا نتصور أنها قد تصدر منهم !! ينقل عن آنشتاين بأنه لم يكن يحسن اللبس والتهندم، وكانت زوجه هي من تقوم بهذه المهمة، وهو الذي ابتكر في ربيع عمره نظرية النسبية التي لم يفهمها آنذاك إلا ندرة من الرجال المختصين. ويحكى عن هيجل على مكانته الفلسفية الجبارة وعقليته الفذّة، أنه كان يمشى إلى درسه في بعض الأحيان، وهو عاري القدمين، ولم يكن يعي هذا إلا عندما ينّبهه تلامذته لذلك!

وقد نضحك من المستبدين المرعبين، ونوادر حجا مع "تيمورلنك" من هذا الباب، و قد أفرد الأسعد ابن مماتى كذلك كتاباً في التندر على بهاء الدين أحد قادة صلاح الدين الأيوبى، ويعلل لنا ذلك في مقدمة كتابه "الفاشوش فى حكم قراقوش" يقول: "لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش مخرمة فاشوش، قد أتلف الأمة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدى بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، والشُكْيَة عنده لمن سبق، لا يهتدي لمن صدق، ولا يقدر أحد ممن عظم منزلته، أن يرد على كلمته، ويشتط اشتطاط الشيطان، ويحكم حكمًا ما أنزل الله به من سلطان. صنفت هذا الكتاب لصلاح الدين، عسى أن يريح منه المسلمين". يقول في واحدة منها بأن قرقوش قد سابق رجلاً بفرس له، فسُبق، فحلف أنه لا يُعلفه ثلاثة أيام. وحين قيل له: "يا مولاي سيموت". رد قراقوش: "اعلفه ولا تعلمه أنني دريت بذلك".!!!

وبعض أفعال الحمقى أيضاً مثيرة للضحك، لأنهم عادة ما يفعلون ما لا يتوقعه الناس العاديون... يروى بأن رياحاً شديداً هبت يوماً، فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون، فصاح أحد الحمقى بهم:  "يا قوم .. لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن"!... وقد سمع أحد الحمقى رجلاً يقول : "ما أحسن القمر"، فقال : "اى والله وخاصة في الليل ."!!!

وعلاقة الرجل بالمرأة بكل جوانبها المتباينة قد تكون موضوعاً للفكاهي، سيما في آصرة العلاقة الزوجية، قيل بأن لسقراط زوجة سليطة، سريعة الغضب, وكثيرة البكاء، في إحدى نوباتها تلك، أخذت توبخه بغضب ثم أخذت كعادتها في البكاء، بينما كان الحكيم اليوناني يتأملها بهدوء وقال: "أبرقت فأرعدت ثم أمطرت"!!!

وبعض النوادر المضحكة قد تكون في صيغة "ألغاز"، فتوّلد الظنون، وتذكي الأذهان، إذ أن جوابها يأتي مباغتاً،  مثال على ذلك: القول: "ما وجه الشبه بين الفلاسفة والمرايا؟" فيأتي الجواب: " النظر والتأمل"!

الضحك من غير الفكاهي
لكن في الطرف الآخر ليس كل ما يضحك يكون بالضرورة فكاهياً، بل قد يكون بخلاف ذلك... قد نضحك من الغيظ أو من فاجعة ألمت بنا (وهي ما تسمى بالضحكة الهستيرية")، وقد قيل في المثل العربي: " شر البلية ما يضحك"... وفي نفس المعنى تقريباً، يقول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحكات  ولكنه ضحك كالبكا

وقد نضحك من الدغدغة... وهو إحساس جسدي في المقام الأول، ولا علاقة له بأي أمر فكاهي... وقد نضحك أن صادفنا صديقاً قديماً لنا في مكان ما، كما أننا قد نضحك عندما ننجو من حادث مرّوع، لو أصابنا لألحق بنا ضرراً بالغاً! كما أنا قد نضحك عندما نظفر بنصر في مباراة أو لعبة ما في أوقات التحدي بين الأصدقاء.

وتنوع أشكال الضحك والمضحك واختلاف سياقاته ودواعيه يعتبر إشكالية كبرى واجهت الفلاسفة في سعيهم للتنظير للمضحك فلسفياً، لأنهم سعوا أن يوحدوا الضحك في عنصر واحد، بينما طبيعة الضحك ذاتها لا تقبل التوحد.

***


النظريات الفلسفية في الضحك

الأول: نظرية التفوق (Superiority Theory):
إننا نضحك في بعض الأحيان ممن هم أدنى وأهون شأناً منّا، فنضحك من تصرفات البخلاء والمتطفلين (وشخصية أشعب الفكهة التي اتسمت بالبخل والتطفل مثال صارخ على ذلك) ، فالضحك على هؤلاء قد يرافقه شعور بالغبطة بأننا أرفع منهم حالاً (حتى لو لم يكن الأمر صحيحاً في الواقع!).

ولكن هذا لا يعني بأننا نتخذ في الضحك موقفاً أخلاقياً خالصاً حيال هذه الصفات القبيحة كما قد يُظن من أول وهلة، إذ أننا قد نضحك أيضاً ممن يعوزه بعض القدرات الطبيعية التي لا علاقة لها بأي جانب أخلاقي، كأن نضحك - مثلاً - ممن يفتقر إلى الذكاء أو النباهة، فغالباً ما يكون الطالب البليد محطاً للضحك من قبل أقرانه، كذلك يضحكنا الأبله في بعض الأحيان، ومرد ذلك هو أننا – وفقاً لرأي المؤيدين لهذه النظرية - نشعر بأننا أعلى منهم قدرة. فمصدر الضحك هنا ليس هو الخاصية الأخلاقية بقدر ما هو عيب وقصور في المضحِك ذاته، يجعلنا نضحك، فالألثغ الذي لا يجيد النطق قد يبعث الضحك فينا، لأننا نشعر بأننا أفصح منه، والأعرج الذي لا يحسن المشي يضحكنا في بعض الأحيان، لأننا نسير أحسن منه، غير أن هذه النظرية جعلتنا نقف على ما أصبح يسمى بكوميديا الرذائل Comic Vices، وإن لم يكن قوامها في الأساس، وهو الأمر الذي جعل من البعض في الطرف الآخر يؤكدون على أن للفضائل كوميديا أيضاً Comic Virtue، مثلما هو الحال في شخصية "دون كيشوت" المشهورة، فلا يوجد من يجادل في أنها شخصية فاضلة وأهدافها نبيلة، رغم ذلك هي شخصية مضحكة.

ولكن هذا الإحساس بالغبطة على من هم أقل حالاً منا قد لا يدل على شعور بالخيلاء والكبر، بل قد يدل على شعور باحترام الذات، كما يرى "توماس هوبز"، فـ "فعاطفة الضحك ليست إلا شعوراً بـمجد مفاجئ، ينجم من تصور معين عن سمو في أنفسنا"[5]، ويقصد هوبز بالمجد المفاجئ هو احترام الذات، الذي ينتابنا عندما نقارن أنفسنا بآخرين يتسمون بالحطة أو الدونية. بل إن هوبز لا يستبعد كذلك من أن نضحك من أنفسنا على هذا الأساس، فنحن قد نضحك مما ارتكبتاه من حماقة في الماضي، بعد أن ندرك بأننا تجاوزناها، فكأننا بهذا شخص آخر يضحك من غيره،  وهي حالة تمر بنا من وقت لآخر بينما يتقدم بنا العمر...  كذلك يرى هوبز بأننا قد نضحك مما يصيبنا من نجاح بصورة غير متوقعه، كأننا لا نستحقها، وصحيح أن هذا يتضمن شعور بالتفوق وفقاً لنظرية هوبز، ولكن تجاه أنفسنا ذاتها!!!

هناك من حاول أن "يهذب" من رؤية هوبز. فنحن في بعض الأحيان نضحك من شخص، ليس لأننا نشعر بعلو حياله، بقدر ما نشعر بتعاطف معه، من حيث أنه قد يتماثل معنا، فكأننا بالتالي نأسف على أنفسنا من خلال الضحك ، فقد يضحك متشرد - مثلاً - من متشرد آخر، مما يجده من نصب وعناء في التسول، فالضحك في هذه الحالة هو نوع من التعاطف أكثر من كونه شعوراً بالتفوق أو باحترام الذات، ومن أهم هذه المحاولات التي رامت تحسين نظرية هوبز محاولة لأكسندر بين Alexander Bain  ، فقد رأى بأننا لسنا في حاجة إلى أن نكون على وعي مباشر بعلونا الذاتي، بل لعلنا على سبيل المثال نضحك تعاطفاً مع امرئ تغلب على خصمه برد لاذع،  وثانياً: إننا لا نسخر بالضرورة من شخص، فقد تكون فكرة أو مؤسسة سياسية أو في الواقع قد نسخر من أي شيء جليل أو محترم كما فعل "صموئيل بتلر" عندما حط من قدر شروق الشمس عندما شبهه  بالكَرْكَنْد [جراد البحر] المسلوق[6]

أفلاطون والضحك:
تناول أفلاطون "الضحك" من زاوية امتزاج اللذة بالألم في سياق الفن المسرحي في الملهاة والمأساة على الخصوص، إلا أننا قد نستشف منها رأيه في فلسفة الضحك على العموم حيث أنه يؤكد على أن امتزاج اللذة بالألم ينطبق على مسرح الحياة برمتها، إذ أن " هناك وحدات متآلفة للذة والألم في النُواح، وفي المأساة والملهاة، وليس على المسرح فقط، بل على مسرح الحياة الإنسانية الأكبر"[7].

لكن يبدو أن أفلاطون لم تكن غايته أن يرصد كل صنوف الضحك في هذا الموضع (أي محاورة فيبياس)، بل تناول الضحك من حيث أنه هزو وسخرية، لذا من الطبيعي أن يقرن المضحك بالرذائل والآثام، فقد عرف المضحك على أنه " باختصار الاسم المحدد الذي يستعمل ليصف الشكل الأثيم لعادة محددة، وللإثم بشكل عام"[8].

من ضمن هذه الرذائل الجهل بالنفس، فالجاهل بحقيقة أمره - كما يرى أفلاطون - يخالف الحكمة المنقوشة في معبد دلفي: "اعرف نفسك".  ولا شك أننا نضحك ممن يسيء في تقدير حاله، ويعطيها أكثر مما هي في الواقع، فيظن مثلاً بأنه أجمل أو أذكى أو أقوى مما هو عليه، ومصدر ضحكنا ليس لأنه يتصور ذلك، ولكننا بالأحرى نضحك -كما أتصور- على ما يرتكب من أفعال على أساس هذا التصور الخاطئ، فالمغتر بنفسه مثلاً يخالف حقائق الأمور، وقد يفعل فعلاً أو يقول قولاً يوقعه في مواقف سخيفة تبعث على الضحك، كالرجل الدميم أو حتى العادي الذي يغالط في حقيقة وسامته وقسامته، فيجرؤ على النساء استناداً على تصوره هذا، ولكنه يلقى الصد والرد ، وينال التعنيف والتقريع منهنَّ، فحال مثل هذا الرجل قد يدعونا إلى الضحك.

أما الرذيلة الأخرى التي تدعونا إلى الضحك سخريةً – وفقاً لأفلاطون - فهي الحسد والحقد، فنحن كما يقول أفلاطون: "نضحك على غباوة أصدقائنا، حيث اللذة حين اختلاطها بالحسد تختلط بالألم، لأننا كنا قد اعترفنا أن الحسد هو ألم عقليّ، والسخرية سارّة، ونحن نحسد في مناسباتٍ كهذه، ونضحك في اللحظة عينها"[9]، وهذه بخلاف الأولى متعلقة برذيلة نفعلها نحن، ولا يفعلها الآخرون، لكن أفلاطون في الواقع لم يفرق بينهما على هذا الأساس، لأن اهتمامه أنصب على يما يجمع بين الرذيلتين في نظره، وهي امتزاج اللذة بالألم.

رغم ذلك يشترط أفلاطون في المضحك في هذا السياق أن لا يكون مؤذياً أو ضاراً، فالأناس الذين يغالطون في حقيقة أنفسهم، فيعطونها أكبر مما تستحق جهلاً هم مثار للضحك، ولكن بشرط واحد هو "عندما لا يؤذون غيرهم"[10].

ولعل رأي أفلاطون هذا يقترب من نظرية التفوق، فقد نعبر عن شعورنا بالتفوق ممن هم أدنى منا بالضحك حتى لو كان هذا حسداً... وكما أن بالإمكان أن يكون المضحك ضرباً من القوة كما يلمّح بذلك أفلاطون، فالإفراط في الاعتداد بالنفس (أي الغرور والكبر) قد يمد الإنسان بالثقة، ولكن في ذات والوقت قد يدفعه إلى أن يقع في أمر يجعله محطاً للسخرية، فإن بالإمكان أيضاً أن يكون المضحك ضرباً من الضعف، فالضعفاء من الناس مضحكون - كما نفهم من كلام أفلاطون ضمنياً- لأنهم عاجزون عن " أن يثأروا لأنفسهم عندما يسخر الآخرون منهم"، وهم مضحكون لأن الآخرين لا يهابونهم ولأنهم غير قادرين على أن يكسبوا احترام الآخرين، وهنا يتلاقى أفلاطون تلاقياً مباشراً مع نظرية التفوق، وقد نفهم عموماً أن أفلاطون يريد أن يؤكد من خلال تعرضه لكلتا الحالتين على أن الإفراط في الثقة تماماً مثل نقصانها، كلاهما يدعوان للضحك. ولعل رؤيته هذه تأثرت برأي أستاذه سقراط في أن الفضيلة حدها التوسط بين رذيلتين، كصفة الشجاعة التي يحدها من جانبيها الجبن والتهور.

لكننا نجد أن موافقة أفلاطون لنظرية التفوق تنسجم بصورة أكبر مع حالة الضعف، وليس مع حالة القوة، لذا نلحظ لدى أفلاطون تردداً في الحكم على الحالة الثانية، "فالتصوّرات الباطلة" لدى الآخرين كما يقول أفلاطون هي: "مضحكة إذا كانت ضعيفة، وبغيضة عندما تكون قويّة"[11]، أو لعلها تكون ممتزجة بنوع من البغض، فنوفق بين الرأيين اللذين قد يفهما على أنهما متناقضان. ولكن الأهم أننا نلحظ من منطوق كلام أفلاطون هنا أنه يُحمّل أمر الضحك إلى خطأ في التصور أكبر من الشعور بالتفوق، ففي حالة الجاهل بنفسه مثلاً نلحظ أن الأمر ليس منوطا بما قد يصاحب ذلك من خيلاء، وبالتالي ثقة بالنفس، ولكنه بالأصح منوط بتصور خاطئ، "فتصور الجمال الخاطئ، وتصور الحكمة، وتصور الغنى" كلها حالات مختلفة من التصور المغلوط الذي يتعلق بالحالة العقلية للأشخاص، لذا يقول أفلاطون: "إن أصدقاءنا الذين يكونون في حالة العقل هذه هم مضحكون بكل بساطة"[12]، لأن حالتهم العقلية هي التي دعتهم إلى هذا الفعل المضحك، ومن ثم نستطيع أن نحس بالمفارقة (المضحكة) بين إحساسهم، (أو لنكن أكثر دقةً، بين أفعالهم) وبين الواقع المُدرَك*، ولكن قد لا يكون الأمر بهذه البساطة لدى أفلاطون، إذ أن العقلي والأخلاقي لديه هما أمر واحد. لذا لعلنا نستطيع أن نعمم رؤية أفلاطون للمضحك على أنه جانب يلامس الجانب العقلي المنطقي، ولكن في ذات الوقت، يلامس أيضاً الجانب الأخلاقي المتمثل في فضيلة المعرفة والحكمة (على أساس شعور يعلي من شأن العلم ويحط من شأن الجهل)، وهما سبب مسعى سقراط وأفلاطون في الفلسفة برمتها، فعلينا ان لا ننسى ذلك ونحن نحاول فهم رأي أفلاطون في الضحك .

 سندع رأي أفلاطون عند هذا الحدّ، إذ سوف نرى كيف أن شبنهاور أستثمر رأي أفلاطون في المضحك من حيث جانبه التصوري، ومضى به أبعد مما قاله أفلاطون.

أرسطو والضحك:
أرسطو مثل أستاذه أفلاطون لم يتعاطَ مع المضحك كموضوع منفصل، وإنما تعاطى معه من خلال اهتمامه بالشعر والمسرح والبلاغة والخطابة، غير أن أرسطو كان أدق من أستاذه في هذا، لأنه أفرد كتباً كاملة في هذه المواضيع الأدبية، أخص بالذكر كتابيه في الشعر و الخطابة، وكان لابد أن يهتم بشأن المضحك لأن هذه المواضيع تتعلق بشأن أدبي هو المسرح الكوميدي.

لقد أعرب أرسطو عن بعض الآراء التي رأى بعض الباحثين أنها تتوافق مع نظرية التفوق، يقول أرسطو في كتابه "فن الشعر" بأن الكوميديا هي "محاكاة لأشخاص أردياء، أي أقل منزلة من المستوى العام"...ولم يقصد أرسطو "بالرداءة" أي معنى شرير أو خبيث، "وإنما هي تعني عنده نوعاً خاصاً فقط هو الشيء المثير للضحك، والذي يعد نوعاً من أنواع القبح"، وعلى هذا الأساس قدم لنا أرسطو تعريفاً يذهب إلى أنه ـ المضحك- " هو الخطأ، أو الناقص الذي لا يسبب للآخرين ألماً وأذى، ولنأخذ القناع الكوميدي المثير للضحك مثالاً يوضح ذلك، ففيه قبح وتشويه،  ولكنه لا يسبب ألماً عندما نراه"[13].

غير أن أرسطو كان مأخوذاً بالفارق ما بين الكوميديا والتراجيديا عندما كان ينظّر للمضحك، لذا كان قوام الحكم لديه يكمن في مستوى المحاكاة والتقليد، لأنهما ضربان من ضروب التعليم والتثقيف، يقول أرسطو: "ولما كان الذين يقومون بالمحاكاة أما أفاضل أو أردياء، وهؤلاء الأناس يكونون بالضرورة أما أفاضل أو أردياء"، فإن مهمة مؤلف التراجيديا هي أنه " يصور الناس أحسن مما هم عليه في المتوسط العام" بينما مؤلف الكوميديا "يصورهم أسوأ مما هم عليه في المتوسط العام"[14]، فالمسألة أذن مرهونة أولاً بالمحاكاة والتصوير، لذا لا نحسب بأن أرسطو كان مهتماً بنظرتنا الفوقية تجاه موضوع الكوميديا، بقدر ما كان مهتماً بالمطابقة مع الوقع، أما تبخيساً أو إطراءً، في الأول تتشكل الكوميديا، وفي الثاني التراجيديا!
لكن أرسطو لم يوفق كل التوفيق عندما نَظَرَ إلى المسألة برمتها من باب الجميل والقبيح، بينما جوهر المسألة - في نظري - متعلق بالتوازن والاعتدال، لذا نفهم بأن لا علاقة للمضحك بالألم والأذى، بل هو على عكس ذلك، إذ أنه يدخل البهجة إلى النفس، لذلك تنبه أرسطو للأمر عندما قال بأن المضحك لا يحدث ألماً أو أذى، خشية أن يتساوى مع الشر، إذ هو موضوع القبيح على عمومه، والمثال الذي ضربه أرسطو للتدليل على رأيه هذا - أقصد وضع الممثل الكوميدي قناعاً - يسعفنا هنا، إذ أن قناع الكوميدي (أو حتى المهرج) لا يثير الضحك لدينا لأنه "قبيح" ، بل لأن فيه إفراط عما هو في العادة، إذ ينحو إلى الإفراط في إبراز ملامح الوجه، وهو ما يجعلنا نضحك، ولا علاقة للأمر هنا بالقبح من حيث أنه قبح...!
***


الثاني: نظرية التنفيس ( Relief Theory ):
جماع اهتمام من قالوا بنظرية التنفيس هو دور الضحك في التفريغ عن التوتر والضغط الذي يلازم حياة البشر، فبدلاً من الاهتمام بتحديد "المضحك"، اهتم أصحاب هذه النظرية بمناقشة الجانب الوظيفي والإجرائي للضحك، وأبرز رواد هذه النظرية هربرت سبنسر وسيجموند فرويد، وقصارى قول القائلين بها هو أن دواعي الضحك تكمن في الترويح عن طاقة فائضة يختزنها الجسم أو النفس، يقول سبنسر بالأول، أما فرويد فيقول بالثانية...!

ولكن "تفريغ الطاقة" لا يتم عبثاً، بل يتم على أساس "مبدأ الاقتصاد بالتصريف" Economy in Expenditure، وهو مبدأ له أهمية لدى القائلين بنظرية التنفيس، لأنه يقدم لنا تفسيراً معقولاً لهذا الجانب الوظيفي في الضحك دون غيره من السلوك أو المشاعر الأخرى، فعندما تتراكم طاقة ما لدينا، فإننا قد نفرغها بوسائل كثيرة، كأن نبذل مجهوداً عدوانياً أو رياضياً شاقاَ أو ننغمس في مشاعر وعواطف أخرى معقدة (مثل الهيام والعشق)، ولكننا نختار في كثير من الأحوال أن نفرغها في قالب "الفكاهة"، لأنها تتطلب جهداً أقل، ومن ثم فإن ما نفرغه من شحنات نفسية أو عصابية في الضحك يصبح مقارنة مع الأمور الأخرى أكثر اقتصاداً. يذهب فرويد إلى أن ما نفرغه من طاقة في الضحك لا يمكن مقارنة بما يبذل من نصب لإبقاء المكبوتات مدحورة في العقل الباطن لكي نبقيها في الخفاء، حيث أننا نضحك لنعبر عن المكبوتات النفسية بصورة يسمح لها بأن تمرر عن طريق المتعة في الفكاهة، فبينما الضحك هو تنفيس عن هذه المكبوتات فإنه هو في ذات الوقت "تكنيك" معين، لتوفير الطاقة النفسية!

سبنسر والضحك
تناول سبنسر موضوع المضحك من منظور مختلف عمّن سبقوه، كان يرى بأنه لا يمكننا أن نفهم الضحك حق فهمه دون أن نفهم الناحية الفسيولوجيّة التي تصاحبه، سواءً أنجم الضحك من المفارقة أو التسلية أو غير ذلك، فهو يبقى شيئاً ما لا يمكن تفسيره من منظور هذه التعاليل، إذ من الملاحظ أن الضحك يصاحبه دوماً حركات جسمانية - تقلصات أو انفراجات على وجه المرء الضاحك، وعلى صدره وبطنه كذلك ـ !!

 وهنا لا يعارض سبنسر النظريات الأخرى التي اهتمت بتفسير "جوهر المضحك" أو أسبابه، إذ إنه معني بتفسير ظاهرة أخرى تصاحب الضحك هي الحركة الجسمانية، لذا يتساءل ما العلة وراء هذه الحركات؟ ومن الطبيعي إذن أن يلتفت إلى الفسيولوجية، فإنها هي الوحيدة القادرة على الإجابة عن هذا السؤال...

يرى سبنسر أن الضحك ينشأ عن تفريغ لطاقة فائضة، فالانتقال المفاجئ من الجد إلى اللهو تخلق لنا طاقة عصبية، تدفعنا إلى تفجيرها في قهقهة أو ضحكة... يصف لنا سبنسر هذا فيقول: تنحو الإثارة العصبية دوماً إلى توليد حركة عضلية، ويحدث ذلك دوماً، عندما ترتفع إلى درجة معينة من الشدة، لا على أنها وحسب ردة فعل، سواء مع أو من دون أحساس، فإننا نشهد عُصباً معينة عندما ترتفع إلى حالات التوتر، تقوم بتفريغ نفسها في عضلات خاصة، متصلة بها اتصالاً غير مباشر"[15]، وهذه الحالة تجد لها متنفساً في الضحك، فالأعصاب بطاقتها الجياشة تلح على العضلات، وعندما تبلغ ذروتها من الشدة والعسر، تجد لها منفذا سهلاً، فتسري هذه الطاقة إلى العضلات بصورة تلقائية، هاربةً من محبسها إلى عضلات الوجه والشفتين (عضلات معقدة وكثيرة) فترتسم الضحكة على وجوهنا... ويعاضد العقاد هذا التفسير، فيقول: "والدليل على ذلك أننا نضحك إذا غلبنا الإحساس، وتحول من العصب إلى العضل أياً كان الموحي به والباعث عليه، فنضحك من الغيظ والألم ونضحك الضحكة الهستيرية التي يفرج بها المكروب عن أعصابه المكظومة، كأنما يخفف عنها بنقل شيء من ضغط الإحساس عليها إلى العضلات"[16].

وهذه الدعة التي نجدها في الضحك تفسر لنا إقبال معظم البشر على الضحك دون الجد، فالضحك يوقظ فينا طاقة نفسية، أكثر مما تفعله بنا المواضيع الجادة...! وليس الضحك كما يبدو لنا أمراً فَضْلةً، بل هو أمر أساسي وجوهري لا غنى عنه، ومسلك الجد في الطرف الآخر هو مسلك وعر، وإن فسرت لنا دعة الضحك شيوع ثقافته بين الجموع والعوام، أكثر من الخاصة والنخب، فإن هذا يفسر لنا أيضاً لماذا يصد العامة عن الأمور الجادة...!

ولئن كان الضحك - وفقاً لرأي سبنسر - هو "تفريغ" لطاقة متراكمة، بلغت ذروتها، ومن ثَمَّ وجدت لها بالضحك منفذاً من خلال حركات العضلات، فانفجرت، فكيف بإمكاننا - إذن - أن نفسر بأن مسار الضحك ليس دوماً على هذا الحال، فمن طبيعة الأشياء التي تنحو إلى التفريغ هو أنها تنفجر دفعة واحدة في أول لحظات انفراجها، ومن ثم تخبو شيئاً فشيئاً، وعندما يتجمع البخار في القدر - على سبيل المثال – يحدث هذا رويداً رويداً، وعندما يبلغ ذروته يخرج البخار في البدء، بأقصى قوته، ثم يأخذ في التراجع بالتدريج، غير أن مسار الضحك ليس دوماً هكذا، وهذا ما لحظه "جون موريل"، :"عندما يتفاعل الإنسان مع مضحك ما، لعله في البدء يمرح مرحاً خفيفاً وحسب، ولكنه من ثم بعد أن يفكر فيما أضحكه قد يصبح أكثر مرحاً، أو لعله يمرح، ثم يسج عما أضحكه، للحظة، متفكراً بأمر آخر، و من ثم يخطر بباله مُثير الضحك، فيعود إلى حالة الضحك مرة أخرى"[17]، ولعلنا هنا نجد لسبنسر فسحة في الأمر، لأنه لم يقصر أمر الضحك على التفريغ، بل فرويد هو من فعل ذلك...!

فرويد والضحك:
لا غرو إن رأينا فرويد من بين المهتمين بموضوع الضحك، إذ إنه من أدق أعماق النفس وخفاياها، وهو من أجلِّ اهتمامات فرويد في مدرسته التي تعرف بالتحليل النفسي، لذا أفرد له كتاباً كاملاً عنوانه: "النكت وعلاقتها باللاوعي".

الضحك لدى فرويد هو آلية Mechanism من آليات التحايل على "الرقيب"، فمن الممكن من خلال الضحك أن نمرر أشياء خفيةً، قد لا نقدر على ذلك بصورة مباشرة، لذا تُخترع النكتة، وهي في نظر فرويد عبارة عن مداهنة نخبئ من خلالها مانخشى الإعراب عنه،مما يعتبر محرماً (تابو) في المجتمع، ولعل هذا يفسر وجود كثير من النكت حول "الجنس" و"العدوانية، وهما مرام النكت في رأي فرويد، فالنكت تخدم وفقاً لرأيه غايتين اثنتين، "فأما أن تكون عدوانية (فتخدم غاية العنف والسخرية والتحفز) أو نكتة فاسقة )تخدم غاية الانكشاف("[18] ...!

وهكذا تملصاً من أعين الرقباء، يستطيع المرء أن يبوح بمكنون نفسه عن طريق رواية النكت، بل إنه حتى التجاوب معها قد يخفي رغبات دفينة، لا يُستطاع عادة التصريح بها لأن الأبواب قد أوصدت خلفها من قبل طغيان المجتمع على الفرد* أو بلغة التحليل النفسي هيمنة "الهو" على "الأنا"، والنكتة – على هذا الأساس – عبارة عن أسلوب مهذب (حضاري) للتعبير عن متعة، قد لا نستطيع أن نعبر عنها في العادة، وهكذا، فإن مهمة النكتة هي "مراوغة القيود وفتح مصادر للمتعة، لم يكن ممكنا الولوج إليها"[19]، وهذا ما يفسر - وفقاً لفرويد - نهم بعض (السوقة) إلى النكت الماجنة Smut jokes، بينما قد يترفع عنها المتعلم والمثقف، لأن الأمر معقود في الأساس بالكبت وطرائق التعبير عنه، ولا شك بأن المثقف أو المتعلم قادران على التفريغ عن كبتهما بطرق أخرى، غير تلك التي يستطيعها السوقة، ويتسق هذا مع رأي فرويد في الحضارة، إذ هو يرهن التقدم الحضاري إلى ميل مطبوع في سلوك البشر ينّزع بهم إلى التسامي على مكبوتات أنفسهم الجنسية أو العدوانية!

وغني عن الإشارة لمن هو مطلع على فكر فرويد أنه يقارب ما بين مذهبه في الأحلام وبين النكت، فكلاهما آليتان من آليات التنفيس عن كبت، فالمرء ينفس عن مكنون نفسه بأن يلجأ إلى مخاتلة "الرقيب" بكل ما يحمل من معنى عام... "فوجود تشابه كبير بين تقنيات الفكاهة والطرق التي من خلالها يتم تحريف أفكارنا التي تستيقظ في الأحلام، و لقد جعله [أي فرويد] هذا يربط ما بين رأيه في المضحك وبين نظريته في تفسير الأحلام، إذ أنها أيضاً وسيلة خداع تمارس تجاه الرقيب"[20].
***

الثالث: نظرية المفارقة (Incongruity)
تعد هذه النظرية الأكثر شيوعاً وشهرةً في تفسير "الضحك"، ولعل هذا يعود إلى اتساعها، وهو الأمر الذي خوّلها أن تفسر لنا أكبر قدر ممكن من أنماط المضحك.
 اهتمت هذه النظرية بأسباب الضحك وبمفهومه أيضاً، وهي بخلاف نظرية التنفيس التي اهتمت بوظيفة المضحك. وقد عبّر أرسطو – ولو عَرَضاً - عن دور المفارقة في التلاعب بالألفاظ، يقول في "الخطابة": "النكتة تحصل عندما يتم تبديل الأحرف في كلمةتتآلف في المعنى، لا حسب ما تقوله، ولكن كشيء يحرّف الكلمة الملفوظة"، فالتلاعب بالألفاظ المتجانسة أمر يضحكنا، ولكن السبب وراء ذلك ليس لأنها تكدّ العقل لكي يقف على المعنى المراد في نهاية المطاف، ولكن لأنها - كما يقول أرسطو - "تباغتنا عندما نجد بأن المعنى هو أمر آخر"[21].  كما أن عمانويل كانط قد لمّح لدور المفارقة بدوره، وإن ضيقها في جانب واحد، عندما عرّف الضحك بأنه "انفعال ناتج عن تحوُّل مفاجئ لتوترٍ لم يفضِ إلى شيء"[22]، ولكنه لا يقصد معنى المفارقة على اتساعها، وإنما "عدم" حدوث ما كنا نتوقع!

لكن توقعاتنا مرتبطة بما نألف ونعتاد، فقد نضحك إن رأينا مثلاً قطاً جالساً على كرسي وثير في مكتب رسمي لرجل مهم، أو قطاً يتمشى في محفل رسمي يؤمه علية القوم، رغم أن الأمر لا يستدعي الضحك أن رأينا ذات القط في بيت أو في شارع، فما يضحكنا حقاً ليس هو القط، ولكن موضعه الذي خالف ما ألفناه...!

لكن ما نألف قد يكون أكثر تعقيداً من ذلك، بيد أننا نقدر أن نردَّ المألوف إما إلى "العرف الاجتماعي" أو إلى "المنطق العقلي" – أي ما اعتدنا أن نراه منطقياً أو معقولاً، و رأي هنري برجسون يعبّر عن الأول، بينما رأي آرثر شبنهاور يعبر عن الآخر.

شبنهاور والضحك
تناول شبنهاور موضوع الضحك من زاوية ابستمولوجية - أي في أطر الأدوار المعرفية التي يلعبها العقلُ المجرد في تمثل الموضوعات، والإدراكُ الواقعي للموضوعات في الخارج، والمضحك لدى شبنهاور هو تطبيق للعقلي في غير مجاله، من هنا تحدث المفارقة التي تبعث على "الضحك" فـ"المعرفة العقلية المجردة على الرغم من كونها انعكاساً للتمثل المستمد من الإدراك العياني، وعلى الرغم من كونها مؤسسة علَيْه فإنها لا تكون أبداً متوافقة معه تماماً بحيث يمكن أن تحل محلة في أي سياق كان، بل إنها على العكس من ذلك لا تتناظر أبداً بشكل تام مع هذا التمثل "[23]. التصور الذهني ليس بالضرورة هو المدرك في الواقع الحسي، والضحك كظاهرة بالتالي ينشأ عن الزلل في تطبيق هذه القاعدة، لأن"الضحك – في كل الأحوال – ينشأ من الإدراك الفجائي للاتوافق [المفارقة] بين تصور ما وموضوعات واقعية كنا نفكر فيها من خلال هذا التصور باعتبارها مرتبطة معه بعلاقات معينة، والضحك ذاته هو مجرد تعبير عن هذا اللاتوافق"[24].

فالضحك ينجم عن إدراكنا لخطل عقلي، بل أن شبنهاور يزعم بأننا نستطيع أن نصوغ كل ما هو مضحك في صيغة قياس منطقي syllogism: وذلك في " مقدمة كبرى صائبة ومقدمة صغرى، يربط بينهما حيلة مبنية على رأي فاسد chicanery ، وعلى أساس هذا الترابط تصبح النتيجة مضحكةً"[25]. والطرفة التي تُروى عن مؤذن أحمق قال ذات مرة، وهو يفتخر بقوة صوته، بأنه يستطيع أن يَسمَعَه ( أي يسمع صوته) من بعد ميل، يمكن صياغتها في قياس منطقي وفقاً لرأي شبنهاور هكذا:

كل الأصوات العالية تسمع من مسافة ما (مقدمة كبرى)
صوت المؤذن عالٍ (مقدمة صغرى)
إذن المؤذن يسمع صوته من مسافة ما (نتيجة)!

وطالما أن الضحك يصدر عن غلط في التصور، وذلك من خلال وضع العقلي في غير موضعه، فإنه "كلما ازدادت صحة إدراج هذه الموضوعات الواقعية تحت التصور استناداً إلى رؤية واحدة، وكلما ازداد قدر اللاتوافق ودرجة سطوعة بين هذا الموضوعات وذلك التصور استناداً إلى رؤية أخرى، ازدادت قوة تأثر المضحك الذي ينبثق من هذا التضاد" ولذا يؤكد شبنهاور على أن "كل ضحك يكون مصحوباً بعملية إدراج منطوية على مفارقة، ومن ثم غير متوقعة، ولا يهم هنا إن كان التعبير عن هذا من خلال كلمات أو من خلال أفعال"[26].

وعلى ضوء ذلك، أخذ شبنهاور يذكر لنا ضروب المضحك، فهما نوعان: الأول "إما أن نكون قد عرفنا من قبل موضوعين أو أكثر من الموضوعات الواقعية المختلفة تماما – أي موضوعين من تمثلات الإدراك العياني أو التي تدرك بالحدس – وجعلناهما بشكل تعسفي متماثلين من خلال وحدة التصور الذي يضمهما معاً، وهذا النوع من المضحك يسمى الفكاهة Wit."[27] ، وهو ينطلق من العيني إلى التصوري، وهو ما يجيده الحذاق والشطار، فيلوون الحقائق بين شيئين، لأن ثمة - على الأقل للناظر لهما لأول وهلة - وحدة بينهما... لا أزال أذكر نادرة روتها كتب التاريخ عن محنة خلق القرآن تندرج من ضمن هذا النوع من المضحك، جاء رجل إلى الخليفة الواثق الذي لم يكن يتردد في البطش بكل من لا يقول بخلق القرآن، وقال: يا أمير المؤمنين أعظم الله أجرك في القرآن، فقال الواثق: ويلك! القرآن يموت؟ قال الرجل: يا أمير المؤمنين كل مخلوق يموت، بالله يا أمير المؤمنين من يصلي بالناس التراويح إذا مات القرآن؟ فضحك الخليقة وقال: قاتلك الله أمسك! وهذه النادرة - بغض النظر عن صحتها التاريخية - توضح لنا بجلاء ما يقصده شبنهاور بهذا النوع من المضحك، إذ تجمع بين شيئين متماثلين في التصور (الخلق)، واحدة مشتقة من خلق القرآن في الشأن العقدي الفكري (التصوري) والثانية مشتقة من خلق المخلوقات الحية في الواقع، وسرعان ما يتضح الفارق بينهما، فالجامع بينهما أنهما لا يتماثلان كما يبدو من الوهلة الأولى، وإن تلاقيا في وجه من الأوجه، وهكذا تحدث لدينا المفارقة التي تدفعنا إلى الضحك.

أما النوع الثاني، فهو بعكس الأول، ينطلق من التصوري إلى العيني (الفعلي) "حيث يوجد التصور بادئ ذي بدء في المعرفة، ومنه ننتقل إلى الواقع وإلى الاشتغال على الواقع، أي إلى الفعل أو التصرف. وهنا نجد أن الموضوعات تكون مختلفة بشكل أساسي في جوانب أخرى عن التصور، ومع ذلك فإن التفكير فيها يكون من خلال هذا التصور، وهي تظل على هذا النحو في نظر الشخص الذي يقوم بالفعل وفي أسلوب تعامله معها إلى أن يبرز فجأة الاختلاف بين الجوانب الأخرى لهذه الموضوعات على نحو يصيبه بالدهشة"[28]، ويسمى هذا النوع بالحماقة Folly، والطرفة التي رويت عن "إديسون" أشهر مُخترِعٍ في التاريخ هي مثال جيد على ذلك، كان لديه قطتان، واحدة كبيرة والأخرى صغيرة، وعندما أراد أن يفتح لهما فتحة في حائط حديقته، لكي يمرا منه بيسر وسهولة، قام بفتح فتحتين، واحدة كبيرة والأخرى صغيرة! ولا شك أن في هذا الفعل حمقاً، نتج عن خطل في التصور، فكان يكفي لو صح التصور (التفكير) قبل البدء بالفعل أن يفتح فتحة واحدة كبيرة، فتتسع بالتالي للقطتين معاً!!!

 ومن أشكال هذا النوع الأخير، الحذلقة Pedantry إذ أنه عسر صادر لقلة الثقة بالذات عن الإدراك المباشر لما هو صواب، لذا "يضع ذهنه كلية تحت وصاية عقله" فيغالي في استخدام العقل حتى في غير موضعه، إذ أن المتحذلق "يريد دائماً أن يبدأ من التصورات والقواعد والحِكَم العامة، وأن يبقى متشبثاً بها على نحو لصيق في مجالات الحياة والفن، وحتى في مجال السلوك الأخلاقي القويم، ومن هنا يكون ذلك التعلق بالشكل وبالأسلوب وبالتعبير وبالكلمة الذي يعد خاصية مميزة للحذلقة والذي يحل محل الطبيعة الواقعية للأمر المطروح"[29]... وليس هناك أدل على ذلك مما يروى في كتب التراث عن تنطع النحويين والفقهاء والمعلمين، يكفي أن نذكر نادرة واحدة على سبيل المثال، روي أن ابن علقمة النحوي قال لابن صديق له:" ما فعل أبوك؟" قال :"مات"، قال :"وما فعلت علته؟ قال:" ورمت قدميه" قال:" قل قدماه. قال:" فارتفع الورم إلى ركبتاه. قال:" قل ركبتيه. فقال:" دعني يا عم فما موت أبى بأشد على من نحوك هذا!

ونظرة شبنهاور هذه إلى الضحك لعلها تفسر لنا "المبالغة" التي تلازم المضحك في كثير من الأحيان، فالمبالغة في التصور تصدم تصورنا العقلي عن الشيء المدرك، إذ أنه يخالفه في الواقع، فالرسام الكاريكاتوري يرسم ملامح الوجه بأكبر من حجمها الطبيعي، لأنه يريد أن يصدم تصورنا الطبيعي عن ملامح الوجه كما هي في الواقع، كما أن راوية النكت لا ينفك عن المبالغة لدرجة الكذب وتزيف الواقع، لأنه يريد أن يحقق الإحساس بالمفارقة ما بين الفكر المتصور والموضوع المُدرَك...!

وشبنهاور (رغم أنه فيلسوف التشاؤم والآلام!) يقدم لنا رأياً معقولاً في شأن الضحك، ودواعيه، وضروبه، فما نعتاده ينطبع في تصورنا بشكل من الأشكال، ويطغى هذا التصور المطبوع على رؤيتنا إلى العالم الخارجي، وإلى تعاطينا مع الأمور الأخرى، فإن شذ شيئاً عنها حدثت المفارقة، ومن ثم نضحك، ولكن هذا بالطبع لابد أن يكون في أمر مسلٍ وممتع، وإلا لكان الأمر فاجعة من الفواجع التي تتطلب الحزن والبكاء.
 ولكننا نجد أن شبنهاور بالغ في شأن التصور العقلي المجرد، زاعماً بأن هذا يفسر شأن الضحك كله، لكننا نجد الأطفال، سيما الأصغر منهم، يضحكون لمواقف كثيرة، رغم عدم اكتمال تصوراتهم العقلية، ولا معارفهم المدركة، فضحكهم هنا قد لا يكون له ارتباطاً بالتصور العقلي ولا الإدراك المعرفي اللذَين يعنيهما شبنهاور.

برجسون والضحك
رغم أن برجسون يرى بأن الضحك ينشأ من مفارقة، ولكنه ذهب بنظريته في اتجاه أرحب من نظرة شبنهاور التي لم تعرف عن المضحك إلا أنه إحساس بالمفارقة ما بين التصور العقلي والواقع الموضوعي... يعتقد برجسون بأن الآراء التي تحسب المضحك مجرد علاقة يكتشفها الذهن بين الأفكار "كالتناقض العقلي" أو "الاستحالة المحسوسة" لا تفي موضوع المضحك حقه... وهذا وجه الاختلاف الجوهري بينه وبين شبنهاور في المضحك، رغم تلاقيهما في القول بأن المضحك يتضمن نوعاً ما من المفارقة والتعارض بين شيئين اثنين.

لا يشك برجسون بأن المضحك ينطوي على عنصر المفارقة العقلية، ولكنه يرى بأن هذا لا يكفي لكي نفهم "المضحك"، إذ لابد له أيضاً أن "يفي بأغراض اجتماعية معينة"[30]، فالضحك ممارسة اجتماعية، وهذا هو ما يفسر لنا لِمَ " أن بعض الآثار المضحكة لا يمكن ترجمتها من لغة إلى أخرى، فهي مرتبطة بما ألفه مجتمع خاص من العادات والأفكار"[31]، كما أن هذا يفسر لنا الرغبة الملحة لدى الناس في مشاركة الآخرين في الضحك، والسبب وراء سرعة تناقل وتداول النكت والنوادر في المجتمع يرجع إلى هذه الرغبة...!

كما أن برجسون يلفت نظرنا إلى أن "لا مضحك إلا فيما هو إنساني"[32]، والإنسان عند برجسون ليس حيواناً يَضحك وحسب، ولكنه أيضاً "حيوان يُضحك"[33]،  وحتى لو ضحكنا من جماد أو حيوان، فإننا في نظره لا نضحك منهم إلا عندما ننسب إليهم صفات بشرية!

وطالما أن المضحك هو خاصية "إنسانية" فإنه من ثم لا ينفك عن الحياة والأحياء، وهي مفاهيم لها أهمية كبرى في جوهر فلسفة برجسون الميتافيزيقية، فهي - كما هو معروف - تدرج من ضمن فلسفات الحياة*، لذا لا غرابة أن نجد بأن دور المفارقة - في نظره – هامشي، لأنها بحد ذاتها لا تفسر لنا الضحك، وإن استطاعت ربما أن تصف لنا المضحك من الظاهر، بل ما يضحكنا فعلاً في المفارقة هو سيطرة الجامد الذي هو ميزة المادة الصماء على المادة العضوية التي هي جوهر الحياة، فإننا نضحك كما يقول برجسون بعبارته الشهيرة عندما " يتلبس الآليُ الحيَ"، Something mechanical encrusted upon the living أي عندما يهيمن الفعل الميكانيكي الرتيب على الفعل الحي العفوي... يضرب برجسون على ذلك مثالاً لكي يوضح لنا مراده، عندما يسقط رجل كان يركض في الشارع يضحك المارة، لأن السقوط جاء بغير إرادة منه، فلو قعد بملء اختياره، لما استدعى الأمر الضحك، وما أضحك هنا ليس المفاجأة التي تمثلت في السقوط ولكن بالأحرى خَرْقة الحركة التي تمثلت في فقدانه توازنه، فسقط،  والركض هنا هو أمر حيوي خالفه فعل آلي (السقوط بغير إرادة)، وليس الأمر معقوداً على المفاجأة التي تمثلت في السقوط، ولكن في أن السقوط يمثل "صلابة آلية حيث كان ينبغي أن توجد [مكانها] مرونة إنسانية يقظة حية"[34].

ورغم ما أظهره برجسون من براعة فكرية في ربط دلالة المضحك بفلسفته الميتافيزيقية، إلا أن هذا دفعه إلى أن يبدي رأياً غريباً بعض الشيء في شأن تفسير المضحك الذي يرتكز على تلاعب في الألفاظ، فعلّله على أن اللغة أصلب من أن تفسر لنا "حيوية العالَم" الذي تحاول أن تصفه، والتلاعب بالألفاظ ليس إلا ظاهرة عن هذا الإخفاق. كما إن برجسون، رغم فضلة في الكشف عن الجانب الاجتماعي في المضحك، يغالي في رأيه هذا، فيذهب إلى القول بأن الضحك هو نوع من العقاب الذي ينزل بكل ما يحاول أن يخرج عن العرف الاجتماعي، وتقاليده، ولكنه يتغافل على أن "أكثر ضروب المضحك نفاذاً هي تلك التي تتقصد في أحيان كثيرة القانون الاجتماعي ذاته" بل قد يحق لنا "أن نصمّ التقاليد الاجتماعية في بعض الأحيان بأنها "الآلي الذي يتلبس الحي""[35]، لذا قد تصبح هي، وذلك بنفس قياس برجسون، المضحك ذاته، إذ أن الأعراف والتقاليد الاجتماعية قد تنقلب إلى قيود وأغلال تحدّ من عفوية الإنساني، وهذا كان رحى فلسفة برجسون في الأخلاق "المفتوحة" التي يرى بأنها خلّاقة ومتجددة دوماً، وفي هذا خُلُف بين نظرية برجسون في الضحك ونظريته بالأخلاق!

***



المجتمع السعودي
في ضوء فلسفة الضحك

بعد أن فرغنا من سرد أهم النظريات الفلسفية التي قدمت في "الضحك" وعرضنا بعض آراء الفلاسفة في كل نظرية، لنقف الآن عند مفهوم الضحك لدى المجتمع السعودي، على ضوء النظريات الفلسفية في الضحك، كيما نرى إن كانت هذه الأطروحات الفلسفية تسعفنا في فهم ما يضحك المجتمع السعودي أكثر من غيره.

العيّار ومفتاح فلسفة "الضحك"  لدى المجتمع السعودي...

ومن ينظر في شأن فلسفة "الضحك" في المجتمع السعودي لابدّ - بادئ ذي بدء - أن يتوقف – ولو لماماً - أمام شخصية "العيّار"، فشعبيتها في الأوساط الاجتماعية السعودية وتغلغلها في الثقافية الاجتماعية يجعل منها مفتاحاً مهماً لدراسة الضحك والمضحك في المجتمع السعودي.

يُسمّي المجتمع السعودي صاحب النكتة وخفيف الظل بـ"العيّار" - وهو مسمى له دلالته الواضحة، فلفظة "العيّار" لعلها مشتقة أساساً من "عيّر" بالفصحى، أي عاب ونقص من شيء ما، و"العيار" بهذا المعنى هو الذي يعيب على الآخرين، فيظهر مساوئهم سواء كان هذا حقاً أو باطلاً، وهي شخصية موهوبة قبل أي شيء آخر في الإضحاك، ولكن تبرز موهبتها في الأغلب من خلال التعييب على الآخرين، وتصوير نواقصهم بقالب كاريكاتوري تجعل من هذه العيوب والنواقص – مهما كانت فظاعتها - مادة مضحكة للناس، لقد سُئل أحد هؤلاء العياريين، لماذا يعيّر الآخرين؟ فقال: "الناس فاكهة الناس"، وجوابه هذا يختزل إستراتيجية العيار في الإضحاك، فمادة الفكاهة لديه هم الناس أنفسهم، وهو يدل بذلك على أن الناس تستحسن المضحك الذي يحيلهم موضوعاً للضحك.

لم يكون في مقدور "العيار" إضحاك الآخرين، لولا أنه لم يكن عارفاً ببواطن المضحك التي ترضي المجتمع، (حتى لو لم يكن واعياً بهذه المعرفة وعياً تاماً). الناس عموماً قد تجد متعة في أن تضحك من عيوب الآخرين، ولا نجد صعوبة في تصنيف هذا النوع من المضحك في ظل الأطروحات التي قدمتها الفلسفة عن "الضحك "، فمن الواضع جداً بأن هذا النوع من الفكاهة يندرج من ضمن "نظرية التفوق" التي تذهب إلى أن الضحك مرتبط بشعور ينتابنا تجاه "شيء" أقل شأننا منا سواء كان هذا لنقص به، أو عيب فيه،  و"العيار" من حيث أنه يمثل هذا النوع من المضحك يعكس كالمرآة ثقافة المجتمع.

وخاصية التعيير متأصلة في ثقافة المجتمع السعودي، لا أدل على ذلك من تلك الألقاب التي أضحت علماً على أسماء بعض العائلات السعودية العريقة، فقد كان من الدارج اجتماعياً إلصاق "عِيارة" على الأشخاص، لدرجة أنها تلتصق بهم وتشيع عنهم دون أسمائهم الحقيقية، فلم يعرفوا إلا بها لدرجة أنها حتى نُسبتْ لمن انحدروا عنهم من الأولاد والأحفاد، لذا لا عجب أن يوظف الفَكِه "التعيير" بالناس في ممارسة نشاطه الفكاهي، إذ أن التعيير بحد ذاته متأصل في الاجتماعي!

وخاصية بروز "التعيير" في المضحك لدى المجتمع السعودي (وهي كذلك في المجتمعات الخليجية الأخرى التي مرت بذات التجربة)، ترجع إلى الظروف الثقافية والاجتماعية التي مرت به، والتي يعيش في ظلها كذلك. فلا يمكنا أن نفهم دواعي الضحك من دون أن نفهم معناه في الثقافة الاجتماعية حيث أن الفرد يمارس الضحك بين الناس في ظل ثقافة معينة، فما يضحك مجتمعاً ما - كما ذكرنا سلفاً – قد لا يضحك مجتمعاً آخر، لأن الذائقة -وهي التي تحدد مفهوم "المضحك"- تتشكل في الفضاء الثقافي الاجتماعي. وذائقة "المضحك" لدى المجتمع السعودي - في تقديري - تتمثل في "العيّار"، فهو يعول على الاستنقاص من الآخرين كي يجعل الآخرين يضحكون، تماشياً مع ذائقة الثقافية الاجتماعية لدى المجتمع السعودي ذاته.

ولعل من المهم هنا أن نذكر أمرين يساندان ما نذهب إليه في شأن فلسفة "الضحك" لدى المجتمع السعودي...  أولاً إن ما يبعث على الضحك مرتبط بالذائقة الاجتماعية، فالإضحاك فن من الفنون حيث أنه يتطلب وجود حس فني لدى المرء المُضحِك يُعينهُ على أن يكشف عما يراه الناس في أذواقهم مضحكاً، وقد عد كانط "الإضحاك" ضرباً من الفنون، رغم أنه صنفه من ضمن الفنون الممتعة التي فرق بينهما وبين الفنون الجميلة (الشعر والمسرح مثلاً).  لكن  هناك قاسماً مشتركاً بينهما، فهما يتشاطران في الحكم على أساس الحس المشترك بين الناس.

لذا فإن هذه الخاصية "السوسيو-ثقافية" للمضحك – ثانيا - لا تلغي العموم في الحكم على المضحك (كما أن ذات الأمر ينسحب على الفنون الأخرى، فخصوصية المسرح الفرنسي في القرن السابع عشر كما في أعمال "كورني" أو "راسين" مثلاً لا تلغي عمومية الحكم على جماليته)، ومن ثم لا تدلّ على امتناع إدراج المضحك ضمن قاعدة ثابتة، يشترك فيها الناس طرّاً، لكن من حيث شكله العام، لا مضمونه الخاص، فخصوصية المضحك الاجتماعي من ثم متعلق بمضمون المضحك ذاته، لا في صورته، فالمفارقة الممتعة مثلاً موضوع للضحك عموماً، بغض النظر عن خصوصية المجتمع الثقافية، (طبعاً هذا إن تمّ تقديمها في مضمون ملائم للذائقة الثقافية)، وقد تختلف هذه المفارقة رغم ذلك من مجتمع لآخر من حيث المضمون، إلا أن صورتها تبقى واحدةً.

من هنا نؤكد على أن محاولتنا لتلمس خصوصية "المضحك" لدى المجتمع السعودي لا ينبغي أن يُنظر لها على أنها تتعارض مع أطروحات الفلسفة التي تنحو إلى التجريد والتعميم، بل بالأحرى تتوافق معها لحمةً وسدًى، لأن النظريات التي طرحها الفلاسفة في شأن الضحك اهتمت بصورته من دون أن تلغي خصوصية ما هو مضحك في الثقافة الاجتماعية...!

وقمين بنا أن نذكر منعاً للبس بأننا لا نستخدم لفظة "عيار" بدلالة مقصورة على شخص العيار ذاته من حيث إنه فرد، ولكن على أنه مفهوم أرحب  أي أن يصبح "الاجتماعي" في حد ذاته "فاكهة" للإضحاك، فتصبح تجربته الاجتماعية بتجلياتها المتنوعة - كما سنرى بعد قليل – مادة للضحك والمضحك على أساس التصور "العيّاري"، أي من حيث كون "العيار" دالة اجتماعية يستلزم منا تأويلها في الفضاء الاجتماعي، فيتحول بذلك إلى مفهوم مجرد أكثر من كونه فرداً مجسّداً، مفهوم يشتمل على الاجتماعي وعلى الفلسفي في آن معاً.

الطفرة والمضحك ما بين مفارقة الماضي والحاضر
قبل أن نمضي قدماً ونقف على ما خلفته الطفرة من آثار اجتماعية وثقافية على المجتمع السعودي تقاطعت بصورة من الصور مع شكل المضحك، نتساءل في البدء..

هل يمكن أن يكون "الزمن" مضحكاً؟!

قد يبدو هذا السؤال غريباً لأول وهلة، غير أني لا أقصد بالزمن من حيث إنه مفهوم "فيزيقي"، ولكن من حيث إنه "قصة وتاريخ" يقترن به إحساس وشعور معينين، كامنين في وعي الإنسان الذي عاشر هذا "الزمن" لحظة بلحظة، فالزمن هنا هو أسلوب معيشة متجذّر في الحياة اليومية.

وبما أن الطفرة مرحلة فيصلية بين الماضي والحاضر، فالحاضر من ثم لا يمثل في العقل الجمعي السعودي "الزمن" من حيث أنه كذلك، ولكنه يرمز إلى "نقلة" لها دلالة ومعنى، تمثلت في "قفزة" لم تأخذ بعداً تدريجياً، بل أخذت بعداً "درامياً"، غير أن درامية هذا "الحدث" تشكل في "كوميديا" أيضاً، وهو ما يعنينا هنا...!
لقد تحدث "جون موريل"  John Morrealفي نظريته عن الضحك عن دور "النقلة" في الضحك سواء كان هذا في السياق الفكاهي أو اللافكاهي·، ولكي يتخلص من إشكالية التمايز في دواعي الضحك في ظل هذين السياقين، فقد فرق ما بين النقلة النفسانية والعاطفية، الأولى متعلقة بقدرتنا على التصور النفسي (بمعنى مقارب إلى العقلي الذهني)، بينما الثانية متعلقة بمشاعرنا بصورة مباشرة، عندما نضحك على نكتة، فإن ضحكنا هنا يختلف عنه عندما نصادف صديقاً قديماً في مكان ما ، فالأولى مدعاتها - وفقاً لنظرية جون موريل - فكاهي محض، بينما الثانية فإنها عبارة عن نقلة من عاطفة إلى أخرى!*

وتساعدنا أطروحة "موريل" في تفسير جانبين من الجوانب الاجتماعية التي ظهرت (ولا تزال تظهر) على المجتمع السعودي من خلال تجاربه الاجتماعية المتناقضة... الجانب الأول يتعلق بشعوره إزاء بيئته الجديدة، سيما المتعلقة بالجانبين الثقافي المادي، وفي ظل هذا السياق، نشهد بعض التفاعل العاطفي حيال الماضي لدى المجتمع السعودي (ولعل هذا ما يفسر شعور الحسرة على ذهاب الماضي التي يعبر عنه الكثيرون، سيما الجيل العتيق)، وفي الطرف الآخر، الجانب الثاني يتعلق بالمجال الثقافي المعنوي المتصل بالحاضر، لأنه يتطلب وضعاً فكرياً مختلفاً يتناسب مع عمليات التحديث التي تمرّ بالمجتمع، وهو ما يعجز المجتمع عن القيام به في كثير من الأحوال، وهكذا نلحظ في هذا الجانب شعوراً أكثر بالمفارقة النفسية (الذهنية) - كما يصفها لنا "موريل" - من الجانب الأول الذي يتعلق بالجانب العاطفي...!  

في كل الأحوال، إن شعور المجتمع السعودي إزاء "الماضي والحاضر" لا يمكن -  في تقديري - أن يفارق مفهوم النقلة، ودورها في إحداث الضحك، وانتقال المجتمع السعودي (وهو مجتمع شاب ومحافظ، وهذا في حد ذاته مفارقة) من ماضي إلى حاضر مخالف له في نواحي عدة قد ينتج عنها مادة مضحكة في حد ذاتها...

نفهم على ضوء ذلك لمَِ اكتسبت بعض حلقات "طاش ما طاش" التي صَوّرتْ في سياق الماضي فترة ما قبل الطفرة شعبية أكبر من غيرها، ونجد بأن شخصيتين لاقتا قبولاً جماهيرياً بين السعوديين، وهما شخصيتا سعيدان وعليان، والحلقة الخاصة بهما داعبت رمزية "الزمن" في المضحك لدى المجتمع السعودي، وعندما تظهر لنا شخصيتا عليان وسعيدان في آخر المسلسل، بعد أن شبا في العصر الحاضر - عصر التمدن في السعودية وقد أصبحا ذا شأن، رغم طفولتهما البسيطة التي عبّرتْ عن عصر "ما قبل الطفرة" نضحك من هذا الموقف بحد ذاته، لأنه ينقلنا من زمن معين إلى آخر مغاير له، بكل ما يحمل من دلالة ترمز إلى "التغير الاجتماعي" الذي طال المجتمع السعودي...!

وكأمثلة على هذه المفارقة الاجتماعية المضحكة، يذكر لنا عبدالله الغذامي في معرض حديثه عن التحولات الاجتماعية التي حدثت في مرحلة الطفرة، وذلك في كتابه "حكاية الحداثة"، عن بعض المواقف الطريفة: "منها أن إحدى السيدات حينما دخلت عليها خادمتها الآسيوية قادمة للتو من المطار هبت لها السيدة مرحبة ومهللة، وراحت تقدم لها الفراش وتعزمها على الأكل وتخدمها بما إنها ضيفة عليها، وظلت أياماً عاجزة عن توجيه الأوامر إليها"... ويذكر أيضاً قصصاً أخرى "عن رجال استقبلوا خادماتهم في المطار بأن حملوا لهن الحقائب وحينما وصولا بهن إلى الحارة طيروا الأخبار عن وصول ضيفة عزيزة راح الجيران يتناوبون في دعوتها على الشاي، وقاموا بواجب العزيمة والضيافة" وأبدى الغذامي ملاحظة دالة على قولنا عندما قال تالياً: "هذه صارت الآن بمثابة النكت"[36]... فالمفارقة ما بين حياة المجتمع في الماضي وحياته في الحاضر هي التي صيّرتْ من هذه القصص أمراً مضحكاً.

بل يكفي أن نسمع عبارات مثل "كليجة هولندية" أو "أقط معلب" حتى نضحك لأنها توقع في أخلادنا مفارقة لا بين ثقافتين مختلفتين وحسب، ولكن أيضاً بين الماضي والحاضر، ماضي يمثل تاريخ الأجداد قبل مرحلة الطفرة، وحاضر يرمز إلى "الحداثة"!

الطفرة والعيار... نموذج الغنى المفاجئ
من الأفكار الشائعة في الكوميديات قصة الرجل المعدم الذي تهبط عليه ثروة من السماء فجأة، فنراه يقوم بتصرفات خرقاء، تتراوح ما بين حياته السابقة التي عاشها في فقر مدقع، وحياة البذخ التي يعيشها اليوم، فتضحكنا هذه المفارقة لأن الماضي لا يزال يشده إلى الوراء رغم أنه قد تخطاه مادياً، فيعيش من ثَمَّ معلقاً بين مفارقات...! 

وهذه هي قصة المجتمع السعودي على أرض الواقع، (وهي ليست من نسج خيال كاتب كوميدي، كما في الأفلام والمسرحيات)، المجتمع السعودي - كما هو معروف – قد مرّ بمرحلة حمل اقتصادي تمخض عنها ميلادُ مرحلةٍ فاصلةٍ في تاريخه الشاب – أقصد بذلك طفرة النفط وما لحقها من طفرة مالية في السبعينات والثمانينات، والتي هزتْ أركان المجتمع هزاً عنيفاً، فخلقتْ منعطفاً خطيراً في تاريخ ثقافته الاجتماعية... !

فبين ليلة وضحاها في مقياس تاريخ الأمم تدفق على المجتمع السعودي ثروة طائلة من إيرادات النفط الضخمة، راسمةً نموذج الفقير الذي اغتنى فجأةً، وهذا النموذج "الكوميدي" لا ينطبق على مجتمع ما بقدر ما ينطبق على المجتمع السعودي من واقع تاريخه، ومن واقع حياته الاجتماعية الفعلية أيضاً.  وهنا نشهد خصوصية لوضع هذا المفارقة، لا نجدها في موضع آخر، بل ولا يزال نموذج "الغني" الجاهل الذي هطلت عليه الثروة من السماء محطاً للضحك في بعض تصرفاته، فنرى في واقعنا الحي رجالات من أصحاب الأموال الطائلة ممن لهم ثقل اقتصادي لا يزالون يتعاطون مع وضعهم الحالي بشيء من الخرق، لعدم قدرتهم على استيعاب وضعهم الحالي المتغير...!

ورغم المحاسن الايجابية من وراء هذه الطفرة، إذ إنها مكّنتْ الدولة إلى حد كبير من تزويد المجتمع بأدوات التمدن والحداثة، إلا أنها في ذات الوقت خلقت "فجوة ثقافية"، فالتطور المادي الذي تأتى للمجتمع السعودي، كان أكبر بكثير من التطور الثقافي، وهذا راجع إلى أن التغير الثقافي أبطأ من التغير المادي، وهذه هي الظاهرة التي رصدها بكثير من التفصيل عالم الاجتماع الشهير "وليم أوغبرن" William Ogburn، وسماها "الهوة الثقافية" Cultural Lag، ولا يعنينا هنا أن نتكلم عنها كظاهرة مهمة في حقل علم التغير الاجتماعي Social Change، بقدر ما يعنينا أن نسلط الضوء على ما خلفته من مفارقات أضحت مادة للمضحك في المجتمع، فنموذج الغني الذي صار غنياً فجأة هو نموذج ينطبق على المجتمع السعودي عموماً، إذ أنه عاش (ولعله لا يزال  إلى حد كبير) في مفارقة ما بين وضعه الاجتماعي السابق ووضعه الجديد الذي يجد فيه صعوبة في التكيف والتوازن ما بين وضعه المالي ووضعه الثقافي، فنتج عن ذلك سلوكيات اجتماعية غريبة تثير الضحك بحد ذاتها...!

لا يزال يتم تناقل بعض الطرائف التي تتناول صعوبة تقبل بعض فئات المجتمع السعودي لبعض أدوات الحداثة بشيء من التندر حتى يومنا هذا، فلم يطمّرها النسيان من الذاكرة الجمعية. لم يستطيع المجتمع السعودي في البدء أن يستسيغ بعض أدوات الحداثة، لأنها ثقافياً غريبة عنه، لقد ظنّ البعض – على سبيل المثال - بأن الراديو أول ما جلب للمملكة هو عبارة عن أصوات جانٍ مسكونة في صندوق، أو أن هدير السيارة هو صراخ جان، وسمعنا عن قصص تحكي كيف أن بعض النساء كنَّ يُغْطِنَ وجوههنّ في كل مرة يظهر رجل في التلفاز...!  و كل هذه الطرائف التي نقصها إلى اليوم نضحك منها، لأنها تعبر عن شعور بتفوقنا على تلك المرحلة المدبرة من تاريخ تغيرنا الاجتماعي. 

ووفقاً لهوبز قد نضحك على أنفسنا، لا سيما عندما نتجاوز الموقف الذي لم يكن في حينه مضحكاً لنا، إذ أن الذات قد تشعر بتفوق على نفسها، عندما تتجاوز موقفاً قد حدث في الماضي مع وعيها بأنه موقف أدنى من وضعها الحالي، ويصدق هذا على المجتمع السعودي، فعندما يلتفت إلى الماضي المدبر بكل سذاجته وبساطته في كافة المستويات، ويقارن هذا بوضعه المختلف تماماً حاليا ينتابه شعورٌ بالانتصار والانجاز، مع ذلك يبقى هذا الماضي كامناً في الذاكرة الاجتماعية (وهذا ما يجعل للضحك معنى لدى صاحب التجربة أكبر من غيره)، فالتجاوز هنا لا يعني الانفصال المجرد، بل بالعكس يعني التواصل مع التجربة التاريخية، وهذا التواصل هو الذي يخلق "الوعي" بالمسافة التي تم تجاوزها في الحاضر، فالإبقاء الزماني  Temporal Retention كما تذهب إلى ذلك الفيميائية (الظاهراتية)
لا يمكن أن يتم في صورة مجزأة (ذرية)، ولكن هي حالة سيالة، لها استمرارية في الوعي القصدي، وهكذا تصبح تجربة الماضي حيةً، وهو ما يجعل للماضي في بعض الأحيان حضوراً معيشياً يفوق الحاضر (فلسفة الغياب تستند على هذا ذلك في علو شأنه على الحضور)، وهو ما يلحظ في حالة التذكر والاستدعاء، فالعبرة في "التعايش" لا في الزمن من حيث أنه زمن كما قلنا سابقاً
*.

العيّار والتنفيس
هناك وجه آخر للنظر إلى مفهوم الضحك لدى المجتمع السعودي، وإن لم يكن يوازي بروز الأوجه الأخرى الذي تحدثنا عنها سابقا . هذا الوجه متعلق بنظرية التنفيس، كما هي عند فرويد تحديدا ، فالتعيير للآخر سواء كان فرداً أو ثقافة لا ينطوي فقط على شعور بالتفوق تجاه هذا الآخر، ولكن أيضاً قد ينطوي على شعور بالعداء مُبطَّن...!

يرى فرويد - كما ذكرنا آنفاً - بأن النكتة هي نوع من "الحيلة" التي نتحايل بها عما هو مكبوت في داخلنا، مما لا نقدر في الأغلب أن نجهر به علانيةً ومباشرةً، وهو الأمر الذي يجعلنا نبتكر حيلاً كي نتخطى بها هذا الحاجز، ونهرب من عين الرقيب، وهذا هو الدور الذي تلعبه النكت، فمن الشائع جداً – على سبيل المثال - أن يمزح ويتندر التلاميذ فيما بينهم على أساتذتهم، وإطلاق الألقاب الساخرة عليهم، وقد ينظر إلى هذا السلوك على أنه تنفيس عن مظاهر الاحترام التي يُرغم التلاميذ على إبدائها لمعلميهم، وهم بهذا يبدون أيضاً نوعاً من التمرد حيال السلطة التي يمثلها "المعلم"، وقد تنبه فرويد إلى أن بعض النكت تنطوي على تمرد على السلطة، فإننا نميل إلى أطلاق النكت المغرضة على وجه الخصوص "لكي يتسنى توجيه الانتقاد أو إظهار العداء ضد أشخاص في مناصب سلطوية، وذلك لأجل التحرر من ضغوط هذه السلطة" وينطبق ذات الأمر على واقع الرسم الكاريكاتوري الذي كثيراً ما يتناول السياسة والساسة، إذ "يكمن سحر الرسوم الكاريكاتورية في هذا الأمر نفسه، فنحن نضحك عليها حتى لو لم تكن متقنة الرسم، لأننا بكل بساطة ننظر إلى التمرد على السلطة على أنه مفخرة"[37].

فممارسة "العيّارة" (ولا أقصد بهذا الشخص الفاعل وحسب، ولكن حتى المتفاعل والمتلقي) هي نوع من التنفيس عما لا يمكن أن يُعبر عنه صراحةً، فيُلْبس لباسَ التندر والطرافة كي يمرر وينفِّس عن شعور بالعداء "مبطن" إزاء شيء معين، وما يؤكد هذا التفسير أن التعيير المقنَّع بالتندر يسهل تقبله، ونلحظ شيوع ذلك بوضوح، فكثير من الناس يتقبل التعيير والسخرية، إن تم تقديمها في قالب "فكاهي"، فيضحكون منها بدلاً من الاستياء والغضب منها حتى لو كانوا أنفسهم هم محط للتندر والضحك!

لكن ما الذي يدفع المجتمع السعودي إلى اتخاذ موقفٍ عدائي من الآخر؟

لا خلاف في أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ، ومن الطبيعي أن تخشى المجتمعات المحافظة الآخر، لأنه يشكل – حسب تفكيرها - تهديداً لها، و شأن الفرد الذي يخشى أن يطغى الآخرون على "شخصيته"، فينتهج تصرفات عدوانية منافحاً عنها أو معبراً عن توتره، شأن المجتمع السعودي (مع مراعاة الفارق ما بين البناء المجتمعي والفردي)، إذ أنه يكن نوعاً من العداء حيال أي ثقافة تعارض عرفه الاجتماعي، سواء كان هذا من داخل المجتمع ذاته أو من خارجه.

مدفوعاً بهذا ،لاسيما إن كان الآخر من داخل المجتمع، يجد نفسه ملزماً أن يتحايل على هذا العداء في حالة عجزه عن الإفصاح عنه أو ممارسته علانيةً (لأسباب كثيرة من ضمنها القوانين الأخلاقية والاجتماعية العامة) ، فيجد من ثم تنفيساً في التندر والتفكه لنزعته العدوانية المكبوتة، وذلك ضمن قنوات أخرى للتنفس.

فضلاً على أن الذات الاجتماعية (كذلك الحال بالنسبة إلى الذات الفردية إلى حد بعيد) تميل إلى المحافظة على رموزها التي تشكلت في الفضاء الثقافي من حيث كونها تعبيراً عن "الهوية"، إذ إن الذات الاجتماعية ترتبط بالهوية من خلال "الرموز الثقافية"، ومن هنا يصبح للرأسمال الثقافي (كما في المفهوم البوردوي) مكانة شبه مقدسة - المساس به يشكل تهديداً للذات نفسها التي تلبس نفسها مفهوماً جوهري الهوية، كيما يتسنى لها أن تحفّز كل طاقتها للذودّ عن وجودها الفعلي، وهكذا يستمرئ المجتمع "السكون" و"الركود"، وتنشأ لديه "عداوة" حيال أي تغيير، أو حتى حيال من قد يرمز لهذا التغيير ضمن هذا، الآخر "المخالف" والأداة "الأجنبية"، إذ إنها في ذاتها قد تتحوّل إلى تهديد يحمل رياح التغيير معه، فيقلق الذات الاجتماعية. وهذا يفسر لنا لا فقط الشعور بالعداوة تجاه "الغريب"، ولكن أيضاً تجاه "أدوات الحداثة" كما هو حاصل في المجتمع السعودي.

بالطبع فإننا لا نستطيع الزعم أن هذا حال الذات الاجتماعية دوماً وأبداً، وإلا لحكمنا عليها مُسبقاً بالجبرية والحتمية، ولكن قضية الهاجس ومقداره، يتشكل في ظل سياقات تاريخية، تلعب الظروف الاجتماعية فيها دوراً بارزاً.
 و لأنها تقف موقف القوي في العصر الراهن فإن المجتمعات الغربية لديها مقدارٌ لا بأس به من "المناعة" حيال ذلك، ، وبالرغم من هذا نجدها هي أيضا تتحسس من ثقافة الآخر (وإن يكن ذلك ضمن أسباب أخرى غير هاجس الهوية)، ومسألة الهجرة التي تعتبر هاجساً كبيراً في الوقت الراهن لدى المجتمعات الأوربية دليل على ذلك، لكن هاجس الهوية في المجتمعات الضعيفة والمنغلقة لا شك لديّ بأنه أشد وطأة !!

في ظل هذا الهاجس، من الطبيعي أن تبدي الفئات الاجتماعية المختلفة حتى بين بعضهم البعض في البلد الواحد "خوافاً" (فوبيا) تجاه الآخر، و من المعقول بفضل الموانع الاجتماعية والأخلاقية الأخرى أن يتشح التعبير عن هذا الشعور الذي يتراوح ما بين "خوف وعداء" قناعَ الضحك من الثقافات الأخرى.

يعتبر المجتمع السعودي نموذجاً حياً على ذلك، فتاريخ كثير من أجزاء مناطقه (سيما نجد والجنوب) كان منغلقاً جداً على أي تأثر خارجي، بحكم طبيعته الجغرافية المنعزلة، وهو الأمر الذي شكل ظاهرة "الإكسنوفوبيا" لديه (Xenophobia أي الخوف من الأجانب)، وارتباط الضحك بالاختلاف الثقافي وما يستبطنه من عداء ربما جاء من هذه الظاهرة، ويعزز هذا أن أهالي المناطق الأكثر عزلةً مثل المجتمع النجدي هو الأكثر تعبيراً عن ظاهرة الضحك من الاختلاف الثقافي، بينما بعض المناطق الساحلية التي عرفت بحكم موقعها البحري بعض الانكشاف على الآخر أقل في هذا الأمر، و إننا بمجرد أن نقلِّب النظر في بعض الأعمال الكوميدية التي ساد بها الحس النجدي  مقارنة بغيرها من المناطق الأخرى ندرك ذلك.
من جهة أخرى، فإننا نجد المجتمع السعودي يكنُ في بعض الأحيان عداءً تجاه الماضي (مثلما أنه ينظر له نظرة دونية كما قلنا سابقا )،وذلك على الأقل من بعض نُخَبِه. يذكر الباحث عبدالعزيز الخضر أن هناك مفارقة في علاقة المجتمع السعودي بآثاره، إذ " إنه في الوقت الذي حافظ المجتمع على بنيته التقليدية في كثير من الجوانب إلا أنه قطع صلته بشخصيته التاريخية العمرانية والتراثية، وشعر المراقب في بعض المراحل كأن هناك حالة عدائية مع القديم والماضي"[38]

ولكن ما قد يبدو غريباً هو في حقيقة الأمر ما يفسر لنا هذا التناقض، فالمجتمع المحافظ يقيد نفسه بالأعراف والتقاليد، و هكذا يرتهن إلى الماضي، وثقافة الآباء والأجداد، وهو الأمر الذي يثقل كاهله ويخالف ذاته الراغبة، ولو لم يصرح بذلك، لأنه يعيش دوماً مشدودا إلى الماضي بكل ثقله الذي ينوء بكلكله على المجتمع السعودي المحافظ، ويجعله يعيش - ولو باطناً – في حالة توتر مع عصر الحداثة، إذ إنه يجد نفسه مرغماً على أن يقدم الكثير من التنازلات (من أعراف وتقاليد) لكي ينسجم مع روح العصر، وكلما واجه حالة من هذه الحالات يخرج هذا الشعور إلى السطح، ولكن سرعان ما يتم كبته رضوخاً للواقع التقليدي، وهذا ما قد يُنظر له على أنه تناقض. لكن ذلك يمكن اعتباره ردة فعل طبيعية لمجتمع عاش تجربة اجتماعية مثل تجربة المجتمع السعودي، وهي التجربة التي خلت من أي موجّه فكري، بل ظلت عرضة للصدف ترمي به كيفما تشاء!

ومن ثمَّ فلا غرابة أن يعبر عن هذا العداء بالضحك، فالانتقاد للماضي يعد نوعاً من المحرَّم "التابو" في مجتمع تقليدي، لأنه ينطوي على شعور "بقتل الأب"، لذا يتلثم بقناع المضحك كي يتسنى له المرور، كما هي عادة المتحايل على "الرقيب"...!  فليس الوعي هو من يشكل "المضحك" لدى المجتمع السعودي، ولكن اللاوعي أيضاً يلعب دوراً مهماً في ذلك، وهذا ما يجعل من الضحك عاطفة معقدة أشد التعقيد...!


خاتمة

إن السبب وراء تفرد الإنسان بالضحك هو ذاته السبب وراء تفرد الفلسفة بالاهتمام بالضحك، وهو عنوان أيضاً على أهميتها في الشأن المعرفي، فإن  يكن مبحث الضحك قد أضحى الآن شأنًا من شؤون الدراما الكوميدية في المسرح والسينما إلا أن للفلسفة الأفضلية والأسبقية (ينسحب الأمر كذلك على مجالات معرفية أخرى) في التعاطي مع هذا الموضوع تعاطياً جاداً ومعمقاً... !

ولا يضير اختلاف الفلاسفة في شأن الضحك، فهذا الاختلاف أثرى المبحث الفلسفي في الإنسان، ولا شك أن ذلك أثرى فنون الإضحاك والكوميديا، فساهم في إدخال البسمة في نفوس الجماهير، التي قد لا تعي دور الفلسفة في ذلك.

يفضي بنا هذا إلى جانب مهم في فلسفة الضحك، هو الجانب الاجتماعي، فالضحك تجربة إنسانية، وبالتالي لا مندوحة أن ترتبط بالتجربة الاجتماعية لشعب من الشعوب أو أمة من الأمم.
في كتابه (الفكاهة اليهودية) يرصد "جوزف كلازمن" الآثار المضحكة للشعب اليهودي سوسيولوجياً، وارتباطها بتجربة اليهودي التاريخية والاجتماعية والسياسية، يقول، وهو يفسر الفكاهة اليهودية: "إن الإضحاك قد يشكل نوعاً من المقاومة في وجه الاضطهادات اليومية الصغيرة أو مواجهة بؤس الحياة في الغيتوات"[39]،  وقد يكون هذا صحيحاً، فقد تم ابتكار كثيرٍ من النكت اليهودية في العصر النازي بألمانيا، ولكن في ذات الوقت، تم ابتكار نكت يهودية عن احتلال الصهاينة لفلسطين، ومن جملة ما ذكر المؤلف طرفة تعود إلى هجرة اليهود إلى فلسطين للاستيطان بها، تقول النكتة كان ليهودي مغربي أب مجنون، أخذه يوماً إلى "الوكالة اليهودية" التي تختص بهجرتهم، ليقوم بإجراءات هجرته، فسأله الموظف هناك: "لماذا لا تقوم أنت بالهجرة كذلك؟" قال: "أنا لست مجنوناً"!!!

فقد يضحك الناس ليس لأنهم مضطهَدون، بل وحتى إن كانوا مضطهِدين، ويصدق هذا على اليهود أكبر صدقٍ، فمحط رحى الضحك - في كل الأحوال - هو التجربة الاجتماعية سواء في هذه الحالة أو تلك...!

وثمة سمة في الضحك تخوله أن يلعب دوراً مهماً في الكشف عن حقيقة التجربة الاجتماعية، فهو بحكم عفويته، بل وثوريته في كثير من الأحيان على الأعراف الاجتماعية ومحظوراتها الثقيلة قد يكشف لنا عن جانب من "الحقيقة" لم يكن ليتسنى لنا كشف هذا الجانب من دونه...!

إذن ليس هذا بدعة على اليهود وحسب، بل كل شعب أو أمة لها تجربتها الاجتماعية والثقافية، ولها مفهومها الأمثل للضحك، يفسر دواعي المضحك ومضمونه من واقع تجربتها في مرحلة تاريخية معينة...

وقد برزت تصوراتٌ معينة عن المضحك لدى المجتمع السعودي الذي مرّ بتجربة اجتماعية مهمة تمثلت في البداية بتوحيد الوطن (رغم أطيافه الثقافية المختلفة)، ثم مر بتجربة تعتبر فيصلية في تاريخه إذ هي بمثابة (نقطة الانطلاق) لبدء مسيرة التغير الاجتماعي، وهذه التجربة هي الطفرة.  للمجتمع السعودي تجربة فريدة من نوعها في التطور الاجتماعي، فعرف ثقافة الترف المادي، بعد أن عاش حياة التقشف والشظف، وعرف ثقافة الانضواء تحت وطن واحد بعد أن عاش مشتتاً في شبة الجزيرة العربية، وعرف كذلك ثقافة الانفتاح بعد أن عاش منعزلاً في صحرائه... وهذه التجربة الفريدة (والدرامية في آن معاً) لابد أن تخلف آثارها على مفهوم المضحك... والمفاهيم التي ناقشها مبحثنا هذا متعلقة بالتجربة الاجتماعية وبالتجربة الكوميدية كذلك، فالتحم مفهوم "العيّارة" مع الطفرة والنقلة، والتحمت هذه كذلك مع مفهوم الاختلاف الثقافي، وما قد يخلفه من شعور بالعداء أو بالعلو قد يكون ناتجاً من الخوف من الآخر ومن الرغبة بالحفاظ على "الهوية"... وهذه المفاهيم تشكل شبكة من "المتضادات" التي هي من أهم إستراتجيات وسمات المضحك إذ أنها هي التي تخلق المفارقة !!!

***تم***



13 فبراير 2010م




المراجع

باللغة العربية:
·      الجاحظ، البخلاء، تحقيق يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، بيروت 2008م
·      أفلاطون، محاورة فيليبوس، الأعمال الكاملة ترجمة شوقي داود تمراز، الأهلية، بيروت 1994م
·      أرسطو، فن الشعر، ترجمة إبراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1989م
·      عباس العقاد، جحا الضاحك المضحك، ج 16موسوعة الأعمال الكاملة، دار الكتاب المصري، 2004م
·      آرثر شبنهاور، العالم إرادة وتمثلا، ترجمة وفيق غريزي ج 1، المجلس الأعلى الثقافي، القاهرة 2006
·      هنري برجسون، الضحك، ترجمة سامي الجروبي وعبدالله عبدالدائم، دار العلم للملايين، بيروت
·      عبدالله الغذامي ، حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية،المركز الثقافي، الدار البيضاء، 2005م
·      عمانويل كانط، نقد مَلَكة الحكم، ترجمة غانم هنا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2005م
·      بدرية البشر، معارك طاش ما طاش، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2007م
·      جوزف كلازمن، ترجمة محمد حمود، الفكاهة اليهودية، مجد المؤسسة الجامعية، بيروت، 2009
·      عبدالعزيز الخضر، السعودية سيرة دولة ومجتمع، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2010م
باللغة الإنجليزية:
·      Provine, Robert. The Science of Laughter (article). Psychology Today Magazine, electronic copy is available on http://www.psychologytoday.com/node/22238)
·      Morreall, John. (1987). The Philosophy of Laughter and Humor. New York, SUNY.
·      Morreall, John. (1983). Taking Laughter Seriously. New York: SUNY.
·      Freud, Sigmund. (1989) Peter Gay, Jokes and Their Relation to the Unconscious, N.Y., W.W. Norton,
·      Monro, D. H., Theories of Humor, (Summary of the book is available at  https://www.msu.edu/~jdowell/monro.html)
·      Aristotle. (2004) W. Rhys Roberts, Dover Publications, NY
·      Kant, Immanuel. (1987) Critique of Judgment, Werner S. Pluhar,
·      Schopenhauer, Arthur, The world as Will and Representation, Volume 2,  
·       Stanford Encyclopedia of Philosophy at the internet
·      Edwards, Paul. The Encyclopedia of Philosophy





[1]  الآية 43 و44 من سورة النجم
[2]  الجاحظ، البخلاء، ص 10
[3] Stanford Encyclopedia of Philosophy at the internet
[4] Psychology Today Magazine, electronic copy is available on (http://www.psychologytoday.com/node/22238)
[5] The Philosophy of Laughter and Humor, Edited by John Morreall, p 20

[6] Paul Edwards, The Encyclopedia of Philosophy, volume 4, p 91

[7]  أفلاطون، محاورة فيليبوس، الأعمال الكاملة ، ص 347
[8]   المرجع السابق، ص 344

[9]  المرجع السابق، ص 347
[10]  المرجع السابق، ص 347

[11]  المرجع السابق، ص 347
[12]  المرجع السابق، ص 347
*  هذا هو الأمر الذي سيلح عليه شبنهاور في شأن الضحك كما سنرى عند الحديث عن نظرية الضحك عند شبنهاور
[13]  أرسطو، فن الشعر، ص 88
[14]  المرجع السابق، ص 67
[15] َJohn Morreal. The Philosophy of Laughter and Humor, p 100  
[16]  عباس العقاد، موسوعة الأعمال الكاملة ج 16، جحا الضاحك المضحك، ص359
[17]  John Moreal, Taking Laughter Seriously, p 27
[18] Sigmund Freud, Jokes and their Relation to the Unconscious, p115
*      وقد وضع باحث نظرية فرويد على محك التجربة، والنتائج التي خلص لها لم تساند نظرية فرويد،
 أنظر  Seriously Take laughter ص 32

[19] Sigmund Freud, Jokes and their relation to the unconscious, p123

[20]  أنظر إلى الموقع التالي الذي تضمن تلخيص لكتاب أيتش دي مونرو Theories of Humor

[21] Aristotle, Rhetoric, P 35
[22] Immanuel Kant, Critique of Judgment p 203
عمانويل كانط، نقد مَلَكة الحكم، ص 19
رغم أننا استعنا بالترجمة العربية لكتاب نقد ملكة الحكم إلا أننا عدلنا منها على أساس النص الانجليزي، فلم يوفق المترجم بصياغة هذه العبارة إلى العربية، فقد استخدم عبارة "إلى العدم" بدلا من "لم يفض إلى شيء"، وهي الأدل على معنى كانط هنا، فلقد تختلط لفظة "العدم" (وهي ترجمة حرفية لكلمة Nothing أي لا شيء) بمعناها الفلسفي مع معناها اللغوي، وهي مراد كانط هنا.


[23]  آرثر شبنهاور، العالم إرادة وتمثلا، ج 1 ، ص 135
[24]  المرجع السابق، ص 135-136
[25] Arthur Schopenhauer , The World as Will and Representation, Volume 2,  p 91

[26]   آرثر شبنهاور، العالم إرادة وتمثلا ج 1 ، ص 136
[27]  المرجع السابق، ص 136
[28]  المرجع السابق ، ص 137
[29]  المرجع السابق، ص 138
[30]   المرجع السابق، ص 19

[31]  هنري برجسون، الضحك، ص 19
[32]  هنري برجسون، الضحك، ص 16
[33]  المرجع السابق، ص 16

*  قوام فلسفة برجسون الاعتقاد بأن جوهر الحياة هو التطور، ولكن لا على أنه فعل ميكانيكي أو آلي كما هو لدى أصحاب مذهب التطور مثل سبنسر، بل على أن تدفق حيوي منبثق عن قوة فاعلة فوق حسية، لذا يعلي برجسون من القوة الحيوية، ويقلل من شأن قوة المادة الصماء التي هي مدار العقل الذي لا يسعه أن يدرك الطاقة الحيوية التي تعتبر جوهر الحياة والعالم، بل إننا نكشف عنها من خلال الحدس، فالعقل كليل لا يرى أبعد من المادة الجامدة، ويمثل برجسون على ذلك بمثال شاع ذكره، عندما ننظر إلى شريط سينمائي بالعقل، لا نستطيع أن نرى إلا لقطات ساكنة، كل لقطة على حدة، بينما بالحدس نستطيع أن نرى الصور تتحرك نابضة بالحياة، لأننا ننظر بشمولية أكبر من خلال الحدس.  من هنا نفهم لماذا يربط المضحك بفعل آلي طغى على فعل حيوي.
[34]  المرجع السابق، ص 21
[35] Edwards, Paul.  The Encyclopedia of Philosophy, p 91
·  قد نضحك في معرض موقف لافكاهي في أصله، مثل أن نضحك من جراء الدغدغة، وقد فرق الفلاسفة بين الضحك الفكاهي والضحك في غيره.
The Philosophy of Laughter and Humor, p 128-138
Taking Laughter Seriously., p 38-59

[36]  الغذامي، عبدالله، حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية، ص 159
*  للمزيد عن أطروحة الفيمياء عن الزمن في إطار ما قلنا، هذا أنظر
أدموند هوسرل، دروس في فينومينولوجيا الوعي الباطني بالزمن، ترجمة لطفي خير الله، القسم الأول.
 (لقد ترجم خير الله كلمة الابقاء إلى المسك)
Robert Sokoloski. Introduction to Phenomenology p 130-145

[37] Freud, Sigmund. Jokes and Their Relation to the Unconscious, p 125
[38]  عبدالعزيز الخضر، السعودية سيرة دولة ومجتمع، ص 749 – التأكيد بخط من عند كاتب هذه السطور

[39]  جوزف كلازمن، ترجمة محمد حمود، الفكاهة اليهودية، ص 12