الخميس، 8 مايو 2014

الهوية هي الاختلاف!

الهوية  هي الاختلاف!

لا ينعش سؤال (ما هو؟) إلا الحوار "المستعصي" لأنه الذي يوجد في صورة السؤال ذاته تناقضا.

جيل دولوز


"التناقض ليس هو الضدية من حيث المفهوم، بل هو الاختلاف، لذا الايمان بالاختلاف يلغي التناقض، هنا ما يطابق الموجب حقا هو السالب..!"


الاختلاف يضاد التطابق، طبعا كون شيئا ما فريدا فإن هذا يعني أنه مختلف عن غيره وليس هو ذاته وحسب، ومبدأ الهوية هو عين نظرية التطابق (الماهوي)، فصورته التي هي (أ هو أ) هي التي ينبع منها كافة المبادئ الأخرى التي تسمى بديهيات في المنطق كما مبدأ عدم التناقض، هنا الاختلاف مفهوما لا يصطدم مع مبدأ الهوية بل حتى مع مبدأ عدم التناقض، وسند فلاسفة الاختلاف هو أن الهوية لا تعرّف بذاتها كما في مبدأ الهوية بل في اختلافها عن غيرها لا في كونها هي ذاتها، أي أن زيدا لا يكون زيدا لأنه زيد (مبدأ الهوية) بل لأنه ليس بعمر (مبدأ الاختلاف والتناقض كذلك!).

ما يعال عليه هنا هو نظرية دو سوسير في "الصوتيم" وهي الوحدة الأصغر التي تصنع "المدلول"، فالفارق بين لفظة "قلم" و"ألم" هو الفارق الصوتي ما بين "ق" و"أ"، من ثم ما يجعل لفظة "قلم" هي قلم هو أنها ليست بـ"ألم" أو أي لفظة أخرى...

إن ما يجعلنا ندرك الفارق ما بين "قلم" و"ألم" ليس القلم والألم في الخارج الموضوعي (هذا إن افترضنا بأن كل الألفاظ لها موضوع خارجي مادي، إذ هناك ألفاظ تدل على معاني وحسب) بل هو الفارق الصوتي بينهما (أي ما يدعى بـ"دال")، لأن اللغة عشوائية أي لا رابط بينها وبين ما تشير إليه من حيث الطبيعة، بل هي اصطلاحية بوصف الجرجاني هي "تواطؤ اجتماعي"، فقد نتفق أن لفظة "قلم" هي ما تشير إلى الألم في الخارج مثلا أو العكس، ولا يضير ذلك من النظام اللغوي شيئا!

هنا اللغة مجرد لعبة -كما يرى فتجنشتاين- إشارات وإحالات...! هي في الواقع لا تحيل إلى شيء إلا ما تعني - أي المعنى الذي نتفق عليه اصطلاحيا، أي أنها بلا إحالة في الواقع الخارجي، من هنا المعنى في مبدأ الهوية (أ هو أ) لا تعني شيئا في الحقيقة، مبدأ التطابق هو مجرد انكفاء المعنى على معناه، وهذا نوع آخر من الانطوائية Solipsism - أي أن الذات ترى الموضوع من حيث أنها ذات لا من حيث أنه موضوع، فمن ثم فإن الموضوع هو من خلقها هي !

من هنا لابد لنا من منظور آخر يعرّف الهوية غير ذاتها، رأت فلسفة الأختلاف أن الهوية ليست هي "الهوية" ذاتها، بل ما تختلف عن الآخر، حدها كما يقول المناطقة ليس ذاتها بل هو الآخر، هنا هي ذاتها والآخر كذلك، ويتجاوز هذا مبدأ عدم التناقض في ظل هذه الرؤية لفلسفة الاختلاف!

وعلى ضوء ذلك تكون "الذات" هي "الآخر"، لأنها ليست "الآخر"، بل هي ما تختلف عنه من حيث كونها هي "الآخر"، لأنه لا يمكن فصل فرادة الذات بعيدا عن تميزها عن الآخر.

وإن سقط مبدأ الهوية الذي يعول على أن الذات هي ذاتها (أ = أ)، فأن كل المبادئ الأولية الأخرى (أي مبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع) تسقط كذلك، فكثير من المناطقة يرون أن مبدأ الهوية هو الأصل، فإن سقط أصل الشجرة، سقطت الفروع.